ظهوره السياسي والعسكري في عهد الملك الصالح
بعد وفاة السلطان الصالح أيوب إستدعت شجرة الدر إبنه توران شاه من حصن كيفا، ونصبته سلطاناً على مصر ليقود
الجيش المصري ضد القوات الصليبية الغازية.
لكن ما إن إنتهت الحرب ، حتى بدأ توران
شاه بمضايقة شجرة الدر وظل يطالبها برد أموال ومجوهرات والده ، وفي نفس الوقت توعد ، وهدد مماليك أبيه وإستبعدهم من المناصب ، ووضع مكانهم أصحابه الذين أتوا معه من حصن
كيفا ، مما حدا بالمماليك الإسراع في قتله قبل خروج الفرنج من دمياط، فقُتل بمشاركة بيبرس ، و فــارسالديـن أقطاي .
المعارك التي خاضها في عهد شجر الدر وأيبك
لقد حدث أن نصب المماليك شجرَةَ الدر سلطانةً - بإعتبارها
أرملة السلطان الصالح أيوب - أما إبنه خليل فقد مات صغيراً ، وطلبوا من الأمراء
الأيوبيين في الشام الإعتراف بسلطنتها ، فرفض أيّوبيّو الشام هذا التنصيب ، لأن ذلك
معناه نهاية دولتهم في مصر ، وأيضا لم يوافق الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد الذي إعترض على ولاية إمرأة ، فتسلم
السلطنة عز الدين أيبك الذي تزوجها لكي يتمكن من الحكم.
ولكن الأيوبيين لم يوافقوا على ذلك وأرسل جيش إلى مصر بقيادة صاحب حلب ودمشق الناصر يوسف، لإحتلالها وتحريرها من المماليك ، ولكنهم هُزموا أمام المماليك ،
وفرّوا هاربين إلى الشام مما مكن المماليك من تثبيت حكمهم في مصر.
بعد إستتباب الأمر للمماليك في حكم مصر بقيادة السلطان أيبك، بدأ أمر أقطاي ، وأحس السلطان عز الدين أيبك بزيادة نفوذه ، خاصة بعدما طلب
من أيبك أن يفرد له مكاناً في قلعة الجبل ، ليسكن به مع عروسه ،
فقرر قتله بالتعاون مع مملوكه سيف الدين قطز ، والمماليك المُعزية ، فإستدرجه إلى قلعة الجبل وإغتاله ، وألقى برأسه
إلى المماليك البحرية الذين تجمعوا تحت القلعة مطالبين بالإفراج عنه ، وكان ذلك سنة 1254م ، ففر المماليك البحرية من مصر إلي سلطنة الروم والكرك وسوريا ، وأماكن أخرى ، وكان في مقدمتهم بيبرس وقلاوون الألفي وبلبان الرشيدي ، وسنقر الأشقر ، الذين فرّوا إلى دمشق .
فرح الناصر يوسف بما حصل ورحب بهم ، وحاول أن يستخدمهم ضد أيبك ، إستمرت العداوة بين
الناصر يوسف وأيبك ، فأرسل الناصر يوسف جيشه للهجوم على مصر بمساعدة المماليك
البحرية الذين معه في هذه المرة ، ولكن ما إن وصل حدود مصر حتى إضطر إلى أن ينسحب
ويوافق على شروط أيبك التي كان من ضمنها إبعاد البحرية عن سوريا ، فرحلوا إلي الكرك ، فأستقبلهم صاحب الكرك المغيث عمر
أحسن إستقبال، وفرق فيهم الأموال ،
وحاول الهجوم على مصر بدعم المماليك البحرية ، ولكنه مني بهزيمة أمام أيبك وكرَّ
راجعاً ، وكان ذلك سنة 656 هـ / 1258 م.
وأثناء عودة المماليك منهزمين من
مصر ، هاجموا غزة التي تعد تابعة للناصر يوسف، فهزموا الحامية التي بها وأسروا
آمرها ، فقوي أمرهم ، وفي أثناء تحرك البحرية في جنوب الشام ، صادفوا في غور الأردن فرقة الشهرزورية التي فرت من العراق تحت ضغط التتار ، فإتفقوا معهم ، وتزوج بيبرس امرأة منهم تدعي " رُقية " ، لتوثيق الإتفاق بالمصاهرة ، مما حرك المخاوف عند الناصر منهم ،
فحرك عساكره إليهم ، فهزم البحريةُ عسكرَ الشام ، فركب الناصر بنفسه وبكل جيشه ، ففرت
البحرية إلى الكرك والشهرزورية إلى مصر ، فتابع تحركه نحو الكرك وحاصرها ،
فأراد المغيث حل القضية سلمياً مع الناصر ، فوافق الناصر على شرط تسليمه المماليك ،
وفي أثناء الحصار شعر بخطورة الموقف أحد مقدمي البحرية ، وربما أذكاهم وأكثرهم
أهلية للقيادة - وكان هو الظاهر بيبرس - الذي يعرف بدقة أين يجب أن يكون في كل ظرف ،
فتسلل من قلعة الكرك ، ولجأ إلى الناصر يوسف الذي إستقبله وعفا عنه.
أما باقي المماليك - فقد إستلمهم الناصر من المغيث - وأودعهم سجن قلعة حلب، وبقوا فيها حتى إحتل التتار حلب وأخذوهم منها.
إنتهت الخلافات بين الطاهر يوسف وأيبك على إثر وساطة قام بها ابن العلقمي وزير الخليفة المستعصم بالله، ونص الإتفاق على أن تسحب فلسطين من أملاك أيبك وتضم إلى يوسف ، وأقطع بيبرس نابلس ، لإرضائه بعد إستشاطته غضباً من الإتفاق بين يوسف وأيبك.
ثم حدث بعد ذلك ، أن توجه المغول إلى حلب وإستولوا عليها ودمروها ، مما أثار موجة من الرعب في قلوب المسلمين وحكامهم ، فمنهم من هرب إلى مصر كما فعل صاحب حماة ، ومنهم من فضل الإستسلام ، حقناً للدماء - كما فعل حاكم حمص ـ ولم يبق من المدن المهمة سوى دمشق التي جمع حاكمها الناصر من الجيوش لمواجهة المغول، ثم ما لبثت تلك الجيوش أن إنفضت من حوله ، وذلك لأنه كان محتاراً في ما يفعل تجاه المغول ، فما كان من المماليك الرافضين لتصرفاته المترددة - إلا أن حاولوا قتله ، وتولية أخيه الملك الظاهر علي مكانه ، فإكتشف الناصر تلك المؤامرة وفر ليلاً من المعسكر إلى قلعة دمشق ، وتحصن فيها ، فلما علم مماليكه بهربه ، وإفتضاح أمرهم ساروا نحو غزة برفقة بيبرس البندقداري ، ومن غزة اتصل بسلطان المماليك الجديد قطز، فدعاه للعودة وأقطعه قليوب ، وأنزله بدار الوزارة وعظم شأنه لديه.
الترقي لمنصب الوزارة والمشاركة في حرب المغول
ثم
عاد الظاهر بيبرس إلى مصر ، بعد أن ولاه سيف الدين قطز منصب الوزارة
عام 1260 ميلادية ، ليشتركا معا في محاربة المغول الذين كانوا
في طريقهم إلى مصر بعد إجتياحهم المشرق الإسلامي ، ثم العراق
، وإسقاطهم الدولة العباسية في بغداد ، وقد أرسل هولاكو رسلاً لقطز
يحملون كتاباً فيه تهديد ووعيد إن لم يخضعوا له. فعقد سيف الدين قطز إجتماعاً مع
وجهاء الدولة وعلمائها ، وتم الإتفاق على التوجه لقتال المغول إذ لا مجال
لمداهنتهم.
وقد إختلى قطز ببيبرس البندقداري الذي كان أمير الأمراء وإستشاره
في الموضوع ، فأشار عليه بأن: أقتل الرسل ، وأن نذهب إلى كتبغا متضامنين
، فإن إنتصرنا أو هزمنا ، فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين ، فإستصوب قطز هذا
الكلام ، وقام بقتل رسل المغول ، وقد زاد من عزيمة المسلمين وصول رسالة من
صارم الدين الأشرفي - وقد وقع أسيراً في يد المغول أثناء غزوهم الشام ، ثم قبل
الخدمة في صفوفهم - أوضح لهم فيها قلة عددهم وشجعهم على قتالهم ، وأن لا يخافوا
منهم ، وقد استفاد قطز من رحيل هولاكو إلي بلاد فارس ، على
رأس معظم جيشه بعد سماعه بوفاة أخيه الخان الأعظم ، فمن تبقى في الشام من عساكر
المغول تحت قيادة كتبغا يتراوح ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف رجلاً ، قام
سيف الدين قطز بتقسيم جيشه لمقدمة بقيادة بيبرس وبقية الجيش يختبئ بين التلال وفي
الوديان المجاورة كقوات دعم أو لتنفيذ هجوم مضاد أو معاكس.
مشاركته في معركة عين جالوت
قامت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس بهجوم سريع ، ثم إنسحبت متظاهرة بالإنهزام لسحب خيالة المغول إلى الكمين ، وإنطلت الحيلة على كتبغا ، فحمل بكل قواه على مقدمة جيش المسلمين وإخترقه وبدأت المقدمة بالتراجع إلى داخل الكمين ، وفي تلك الأثناء خرج قطز وبقية مشاة وفرسان الجيش وعملوا على تطويق ومحاصرة قوات كتبغا ، فعندئذٍ ، إستمر القتال ولم يمض كثير من الوقت حتى هزم الجيش المغولي وقتل معظمهم بمن فيهم قائدهم كتبغا ، ويعد بيبرس المهندس العسكري لمعركة عين جالوت.
بعد إنتصار قطز على المغول في عين جالوت ، ساق ورائهم لتحرير باقي
مدن الشام، فتحررت دمشق وحماة وحمص وأرسل بيبرس ليطرد التتار من حلب ويتسلمها ووعده بنيابتها ، فلما
طردهم منها وتسلمها المسلمون ، إستناب عليها غيره وهو علاء الدين ابن صاحب الموصل ،
وكان ذلك سبب الوحشة التي وقعت بينهما ، فإقتضى قتل السلطان قطز سريعاً فبعد عودة السلطان قطز من معركة
عين جالوت منتصراً قاصداً مصر ، وصل ما بين الصالحية ،فضرب دهليزه ، وساق خلف أرنب وساق معه بيبرس ومعه الأمراء الذين إتفقوا على قتله ، فشفع بيبرس في شئ ، فشفعه، فأخذ يده ليقبلها ، فأمسكها ، وحمل عليه الأمراء بالسيوف ، فضربوه بها ، وألقوه عن فرسه ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه ، ثم كروا راجعين إلى المخيم وبأيديهم السيوف مصلتة ، فأخبروا خبرهم ، فقال بعضهم من
قتله ؟ ، فقالوا : ركن الدين بيبرس ، فقالوا له : " أنت قتلته؟ " - فقال : "نعم" ، فقالوا : "أنت الملك
إذاً".
لما قتل قطز حار الأمراء بينهم فيمن يولون الملك ، وصار كل
واحد منهم يخشى غائلة ذلك ، فإتفقوا على مبايعة بيبرس البندقداري ، ولم يكن هو من
أكابر المقدمين، ولكن أرادوا أن يجربوا فيه ، فلقبوه الملك الظاهر ـ وأجلسوه على كرسي
الملك.
وقيل أن قطز عندما ضربه الأمراء المماليك وقبل موته جاءت مجموعة من
الأمراء المماليك الذين يؤيدون قطزًا لأنهم شكوا في أمر الأمراء الذين خرجوا مع
قطز، فتبعوهم وإذا هناك أمر قد حدث بالفعل ، فسأل قطز عن سبب ذلك الفعل فأجابه
بيبرس أنه شك أنه يريد قتله ، كما قتل أميره فارس الدين أقطاي في قلعة الجبل ، فأخبره
قطز أنه كان سيعطيه السلطان ، وعفا عنه لأنه أراحه من غم العيش بعد مقتل زوجته
جلنار بنت جلال الدين السلجوقي ، وأمر بتعيينه ملكًا على الدولة المملوكية.
جلوس الظاهر بيبرس على عرش مصر
لقد بايع الجيش "بيبرس" ليكون ملكاً على ملك مصر في أواخر ذي القعدة سنة 658 هـ ، دقت
الطبول فرحاً بذلك ، ودخل قلعة الجبل وجلس على كرسيها.
وقد لقب نفسه أول
مرة بالقاهر ، فقال له الوزير : إن هذا اللقب لا يفلح من تلقب به. تلقب به القاهر بن المعتضد ، فلم تطل أيامه حتى خلع ـ وسملت
عيناه ، ولقب به القاهر صاحب الموصل فسم ومات ، فعدل عنه حينئذٍ إلى الملك الظاهر ، ثم
شرع في مسك كل من يرى في نفسه الرئاسة من أكابر الأمراء حتى مهد الملك.
·
الصورة
بأعلى : " الأسـد " شعار
السلطان الظاهــــر بيبرس
·
الصورة
بأٍسفل : عملة نقدية تحمل نقش " الأسد " من عهد السلطان الظاهر بيبرس
بعد أن إستلم بيبرس الحكم ، حتى أقبلت الوفود على مصر من كل البقاع ، فقدم إليه وفد من العصفوريين حكام البحرين برئاسة مقدهم محمد بن أحمد العامري سنة 658 هـ / 1260 م لمباركته على الحكم ، وطلبوا منه مساعدته من أجل التصدي لهجمات المغول فــــي بلاد فارس .
أهم إنجازاته خلال الحكم
لعل من أهم إنجازاته خلال فترة حكمه مايلي تباعا ً:
القضاء على الإضطرابات والفوضي في الداخل
لقد عمد بيبرس منذ توليه حكم مصر ، السير في طريق القضاء على الإضطرابات الداخلية ، وتصفية معارضيه
الذين إحتجوا على مقتل السلطان قطز ومنهم الأمير علم الدين سنجر الحلبي ، الذي كان
قطز قد إستنابه في دمشق ، والذي نادى بنفسه سلطاناً على دمشق وركب بشعار السلطنة ، وأمر بالخطبة لنفسه على المنابر وضرب السكة بإسمه ، ثم أرسل إلى الأمراء في حلب
وحماة بوجوب طاعته ، وقد جرد بيبرس بحملة عسكرية ضد ه ، فتمكنت تلك الحملة من القضاء
عليه ، وإعادة دمشق تابعة إلى حكم بيبرس في يناير 1260 م.
القضاء على الثورات الفاطمية الداخلية
كما تمكن الظاهر بيبرس أيضاً من القضاء على التمردات الفاطمية في
القاهرة والتي أثارها رجل يدعي الكوراني ، وهو فارسي
الأصل من نيسابور كان الكوراني يهدف إلى قلب نظام الحكم وإرجاع الفاطميين ، وقد نتجت
تلك الحركة إلى إعلان العصيان على بيبرس والمسير في شوارع القاهرة ليلاً ، ثم الهجوم
على مخازن السلاح والإسطبلات ، وأخذ ما فيها من سيوف وخيل ، إلا أن الظاهر بيبرس ، تمكن
بقواته الخاصة من الإحاطة بالمتمردين والقبض على جميع زعمائهم ومنهم الكوراني ،
وأقر السلطان بصلبه على باب زويلة في القاهرة - وبهذا - إنتهت جميع محاولات الفاطميين
للتمرد والعودة إلى سدة الحكم.
وقد أراد بيبرس أن يضفي إلى حكمه نوعاً من الزعامة والنفوذ على البلاد
الإسلامية ، ولكي يمنح دولته الفتية نوعا من الشرعية عمد إلى إحياء الخلافة
العباسية في القاهرة ليقيلها من الإنتكاسة التي أصابتها في بغداد على يد المغول - وعليه - فقد أرسل في طلب أحد أبناء البيت العباسي ، فوصل إلى القاهرة أبو القاسم أحمد
بن الظاهر بامر الله في رجب 659 هـ/يونيو 1261 م ، حيث قوبل بالتكريم والإحترام ،
وبعدها بأيام عقد السلطان بيبرس مجلساً عاما بالديوان الكبير بالقلعة وإستدعى كل
أعيان البلد، ثم قام السلطان أمام الجميع ، فبايع الخليفة على العمل بكتاب الله وسنة
رسوله وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى الجهاد في سبيل الله ، فتبعه
الجميع بالمبايعة ولقب الخليفة المستنصر بالله.
بعد نهاية الخليفة الأول المؤلمة ، وإستقدم السلطان بيبرس اميراً
عباسياً آخر هو أحمد بن الحسن الذي يعود في نسبه إلى الخليفة المسترشد بالله ، وكان
صاحب حلب قد نصبه خليفة هناك إلا أنه دان للمستنصر الثاني فيما بعد وعقد بيبرس مجلساً لمبايعة هذا الامير العباسي للخلافة في القلعة في 9 محرم 661 - والموافق 22 ونوفمبر 1262م ، بايعه بيبرس ، كما بايع سلفه ، ولقب
بالخليفة الحاكم بأمر الله الأول ، وقد عدل عن التفكير بجعل مقر
الخليفة في بغداد ، حيث أبقاه في القاهرة بعيداً عن خطر المغول ، وبذلك أحييت الخلافة
العباسية للمرة الثانية في القاهرة ، غير أن الخلافة لم تتدخل في الشؤون المملوكية ،
وظلت السلطة الفعلية بيد الظاهر بيبرس والمماليك من بعده.
إنجازاته في مجال تطوير الجيش والآليات العسكرية
لقد عمد السلطان الظاهر بيبرس منذ بداية توليه مقاليد الحكم ، إلى تأمين وصول قواته إلى بلاد الشام بالسيطرة على كل المدن والقلاع الممتدة على الطريق بين مصر والشام وجعلها تابعة له ، وبالأخص حصن الكرك الذي كان تحت سيطرة الملك عمر بن العادل بن الكامل الأيوبي ، الذي لم يقدم فروض الطاعة له ، فاستولى على الحصن وقتل الملك عمر ، والتفت أيضا إلى تحصين الأطراف والثغور وعمارة القلاع التي خربها المغول في الشام ، وأخذ يزودها بالرجال والسلاح من مصر وبعض مدن الشام القوية.
في هذا الإطار - فقد إهتم بيبرس بتقوية الجيش ، والعمل على تطويره ، حيث بدأ أولاً بتطوير الأسطول ، ثم بدأ بعد ذلك في تطوير الجيش وآلياته العسكرية ، وأشرف بنفسه على بناء السفن
الحربية في دور صناعتها الموجودة في الفسطاط " مصر القديمة الآن " ، ولم والإسكندرية دمياط يكتف بهذا العمل لتأمين وصول
قواته إلى الشام ومنع أي التفاف حولهم من الخلف ، بل عمد أيضاً إلى التحالف مع بعض
القوى الخارجية ليتفرغ للصليبيين .
إنجازاته في مجال البناء والمعمار
لقد شهد عهد بيبرس نهضة معمارية وتعليمية كبيرة حيث عمل على إنشاء العديد من
المدارس في مصر ودمشق ، ومنها المدرسة الظاهرية في دمشق التي بنيت عام 676 هجرية ، وضمت المدارس مكتبات ضخمة كالمكتبة الظاهرية، كما أنشأ عام 665 هجرية جامعاً عرف بإسمه إلى اليوم في مدينة القاهرة ، وهو جامع الظاهر بيبرس ، والذي ما زال قائماً إلي اليوم ،
وتعرف المنطقة حوله بإسم حي الظاهر ـ وأنشأ مسجداً آخر أيضا بإسمه في مدينة قليوب ، ولا يزال المسجد
موجودًا حتى الآن ـ ويسمى الميدان الموجود فيه "ميدان بيبرس" بمدينة قليوب
البلد.
صورة من الجو لمسجد الظاهر بيبرس
بالقاهرة
الطابع المعماري
المتميز برسومات الأسود والذي كان يزين المباني في عهد السلطان الظاهر بيبرس
كما عمل بيبرس على إنشاء الجسور والقناطر والأسوار ، وحفر الترع والخلجان ، وأنشأ مقياساً للنيل ، وقام بأعمال أخرى كثيرة - مثل تنظيم البريد - فخصص له الخيل ، وبنى كثيراً من العمائر.
كما إهتم بيبرس بتجديد الجامع الأزهر، فأعاد للأزهر رونقه وقام بحملات من الترميم والتجميل حتى عاد له
جماله ومكانته مرة أخرى ، وأعاد خطبة الجمعة والدراسة إلى الجامع الأزهر بعد أن هجر
طويلاً ، ونصب أربعة قضاة شرعيين ، واحدا من كل مذهب من مذاهب السنة الأربعة بعد أن
كان القضاء مقتصراً على قاضي قضاة شافعي.
وفي خارج مصر قام بعدد من الإصلاحات الحرم النبوي بالمدينة المنورة، وقام بتجديد مسجد إبراهيم في الخليل، وزار بيت المقدس يوم الجمعة 17
جمادى الآخرة 661 هـ / 1262 م ، فقام بتجديد ماقد تهدم من قبة الصخرة، وجدد قــبة السلسلة ـ وزخرفها ورتب برسم مصالح المسجد في كل سنة خمسة آلاف درهم ـ وأنشأ
بها خانا للسبيل نقل بابه من دهليز كان للخلفاء المصريين بالقاهرة .
وقد زار بيت المقدس في شعبان سنة 664 هـ / 1265 م
وأجرى عليها تعميرات إضافية ، وعمل على إقامة دار للعدل للفصل في القضايا ، والنظر في
المظالم أيضا قام بتوسعة مسجد الصحابي خالد ابن الوليد في مدينة حمص.
معاهدات السلام مع التتار وملوك الغرب والشرق
وتحالف بيبرس مع بركة خان زعيم القبيلة الذهبية في حربه ضد هولاكو خان الخانات ، وأقام معاهدات وعلاقات ودية مع مانفرد فريدريك الثانيالإمبراطور الروماني ، كما حالف ملك نابولي وصقلية وملك قشتالة ألفونسو العاشر.
وحالف أيضاً إمبراطور بيزنطة ميخائيل الثامن ، كما تحالف أيضاً مع سلطان السلاجقة عز الدين كيكاوس، وقد كان يبعث بالرسائل والهدايا للآخرين (بركة خان وعز الدين) ، ويحثهم على محاربة المغول الإلخانات لكف أذاهم عن دولته ، كي يتفرغ للصليبيين.
بداية الصراع مع جيوش المغول
إن العداء بين المماليك والمغول - لم ينقطع منذ وقعة عين جالوت ، فبعد
وفاة بدر الدين لؤلؤ والي الموصل وحليف المغول في شعبان 656 / أغسطس 1258م - خلفه
ابنه الملك الصالح إسماعيل الذي هادن المغول أول الأمر ، ثم إنقلب عليهم وطردهم من الموصل ، وأرسل أخاه إلى مصر لطلب المساعدة من بيبرس ، ثم ذهب
بنفسه ونسق معه ، فارسل هولاكو إليه جيشاً تعداده عشرة آلاف فارس
بقيادة صندغون ، فحاصره فيها ، وما أن علم بيبرس بذلك حتى أرسل اليه نجدة تعدادها
سبعمائة فارس وأمر بخروج العساكر من دمشق وحلب ، فخرج صاحب حلب - وهو شمس الدين
البرلي في سبعمائة فارس من الغز وأربعمائة من التركمان ومئة من
العرب.
إلا أن صندغون المغولي قد علم بخروج تلك القوة ، فكمن لها عند سنجار ، ، وإنقض عليها وقتل معظم أفرادها.
ثم
عاد مشدداً الحصار على الموصل ، ونصب عليها ثلاثين منجنيقاً ، فضاقت الأحوال بشدة على
المدينة.
ثم أرسل إلى الملك الصالح إسماعيل يمنيه بالوعود الحسنة إذا إستسلم وفتح
المدينة، وفعلاً ، فتحت أبواب المدينة ، وإستسلم الوالي ، وتوقف القتال ، فدخل المغول
المدينة في 26 شعبان 660 هـ / 16 يوليو 1262 م ، فإستباحوها ، وعملوا فيها السيف وقتلوا
معظم أهاليها ، وهدموا أكثر من نصفها ، وقتل الصالح إسماعيل - وكذلك ابنه البالغ من
العمر ثلاثة أعوام.
وقد ظل مغول فارس يتحينون الفرصة للحرب ، وخاصة آباقا إبن هولاكو ، الذي واصل سياسة أبيه
العدائية تجاه المسلمين ، فيما اتسمت سياسته مع الصليبيين بالود.
لكن الظاهر بيبرس
وقف لهم دائماً بالمرصاد وإستطاع أن يكسر شوكتهم، مما دعا ابغا إلى طلب الصلح ،
ولجأ في طلبه إلى الترغيب والتهديد، لكن بيبرس كان يعلم جيداً أن الصلح مع المغول أمر لايرضي المسلمين ، وذلك بسبب ما فعلوه في بغداد ، ورغم ذلك واصل المغول هجماتهم على الساجور ، ولكن بيبرس ردهم خائبين ، ثم ما
لبثوا أن هاجموا عين تاب ، لكن بيبرس دحرهم ، وهكذا قام بكسر التتار في أخرها عندما
تحالف المغول مع سلاجقة الروم في آسيا الصغرى ، فأعد حملة كبيرة سنة 675 هـ ، لغزو سلاجقة الروم.
وفي موقعة
أبلستين حلت الهزيمة الساحقة بالمغول ، وحلفائهم من السلاجقة ، وقد فر زعيم السلاجقة
بعد أن قتل عدد كبير من رجالة ورجال المغول ، ثم دخل بيبرس قيسارية ، ودعي له على
منابرها ، وقدم له أمراء السلاجقة فروض الولاء والطاعة ، وقيل ان أبغا لما سمع بما فعله
بيبرس برجاله في موقعة إبلستين أسرع إلى هناك ليشتد غضباً بما وجده من الآف القتلى
من المغول في حين لم ير أحدا من السلاجقة ، مما جعلة يأمر بقتل ما يزيد على مائتي ألف
من المسلمين السلاجقة.
هذا - وقد حقق بيبرس إنتصارات عديدة وساحقة على المغول في موقعة البيرة وحران ، ورد هجمات المغول المتتابعة على بلاده ، إلى أن قضى عليهم عند بلدة أبلستين وذلك في عام 675 هـ ، وبذلك حقق بيبرس ما كان يبتغيه من تأمين لجبهته الخارجية وحدود دولته ، وقد دام حكمه حوالي سبعة عشر عاماً.
وبالمقابل - خشى الصليبيون من قوة المماليك المتنامية ، فمالوا إلى
الصلح آملين بما كانوا قد بذلوه من مساعدة للمماليك زمن حملة عين جالوت في إستعادة أسراهم تنفيذاً ، للوعد الذي قطعه السلطان أيبك بإعادة زرين في الجليل إليهم أو دفع تعويض عنها وعقد هدنة
بين الطرفين ، فتوجه الكونت إبلين كونت يافا
ويوحنا الثاني كونت بيروت إلى القاهرة سنة 659 هـ / 1261 م ، وأجريا مفاوضات مع الظاهر
بيبرس لإسترجاع أسراهم ، وعقد هدنة ، فوافق بيبرس بشرط العودة إلى ما كان عليه الأمر
أيام الملك الناصر صلاح الدين وإطلاق الأسرى المسلمين إلا أن الإسبتارية والداوية رفضوا التخلي عن الأسرى المسلمين نظراً لكونهم صناعا مهرة ، وما لهم
من أهمية مادية للطائفتين ،
فعندئذٍ قطع بيبرس المفاوضات ، وأمر بنقل اسراه من الصليبيين إلى معسكرات العمل
الخاصة بتشييد العمائر ، ثم حرك الجيوش بإتجاه أملاك الصليبيين وهاجم حصونهم ،
مما حدا بهم ان يعاودوا مرة أخرى ، ويطلبوا منه الصلح ، فما كان رده إلا أن
قال:
" لم لا كان هذا قبل حضورنا إلى هذا
المكان ؟ ردوا ما أخذتموه من البلاد وفكوا أسرى المسلمين جميعهم فإني
لاأقبل غير ذلك ".
بدأ بيبرس حربه بمهاجمته إقليم الجليل ، فنهب الناصرة ، ثم شن هجوماً مفاجئاً على عكا وحاول إقتحام أبوابها في (جمادى الآخرة 661 هـ/ أبريل 1263 م) ، ولكنه لم يتمكن لحصانتها وكثرة من بها من الصليبيين ، فتركها بعد أن نهب أرباضها ، ورحل إلى بيت المقدس ، ثم هاجم بالشهر التالي قيسارية ، وفي عام 663 هـ/1265 م - نزل بيبرس بقوات ضخمة إلى غزة ومن هناك إلى
قيسارية ، ففتحها في جمادى الأول (شباط)، ثم تقدم صوب يافا ، فدخلها بغير قتال ، لأن الصليبيين ، فروا منها هاربين.
ثم سار نحو عثليث وحررها ، وقد كانت بأيدي الصليبيين منذ سنة 614 هـ/1218 م. ثم
إتجه صوب أرسوف ، وضرب عليها حصاراً شديداً إستمر 40 يوماً ، إستسلمت بعده المدينة ، ومن أرسوف إتجه مرة أخرى صوب عكا ، غير أنه لم يستطع أن يحرر المدينة نظرا لمساندة هيو الثالث ملك قبرص وإمداده بإسطول كبير شمل كل قوة قبرص البحرية - لذا - فقد تركها بيبرس ـ وعاد إلى مصر ، ليعاود الكرة على الصليبيين بعد إنتهاء الشتاء .
ثم بدأ عمله في أوائل صيف 1266 م/664 هـ ، حيث بدأ بمدينة صفد مقر الداوية وتمكن من تحريرها 17 شوال 664 هـ / يوليو 1266م ، ثم حرر الرملة ، وتبين ، وهونين ، وسقطت يبنة دون قتال وإستولى على عرقة قليعة ، وبذلك تمت السيطرة على الطريق المؤدي إلى طرابلس من البقاع.
ونتيجة لتلك الإنتصارات ، فقد ضعفت معنويات الصليبيين في الشام وسارع البعض إليه يطلبون وده ورضاه مقابل تنازلهم عن نصف غلات المناطق التي تحت سيطرتهم.
ثم سار نحو عثليث وحررها ، وقد كانت بأيدي الصليبيين منذ سنة 614
هـ/1218 م. ثم
إتجه صوب أرسوف ، وضرب عليها حصاراً شديداً إستمر 40 يوماً ، إستسلمت بعده المدينة ، ومن أرسوف إتجه مرة أخرى صوب عكا ، غير أنه لم يستطع أن يحرر المدينة نظرا لمساندة هيو الثالث ملك
قبرص وإمداده بإسطول كبير شمل كل قوة قبرص البحرية - لذا - فقد تركها بيبرس ـ وعاد إلى مصر ،
ليعاود الكرة على الصليبيين بعد إنتهاء الشتاء ، وبدأ عمله أوائل صيف 1266 م/664
هـ.
حيث بدأ بمدينة صفد مقر الداوية ، وتمكن من تحريرها 17 شوال 664 هـ / يوليو 1266م ، ثم حرر الرملة ، وتبين ، وهونين ، وسقطت يبنة دون قتال وإستولى على عرقة قليعة ، وبذلك تمت السيطرة على الطريق
المؤدي إلى طرابلس من البقاع.
ونتيجة لتلك الإنتصارات ، فقد ضعفت
معنويات الصليبيين في الشام وسارع البعض إليه يطلبون وده ورضاه مقابل تنازلهم عن
نصف غلات المناطق التي تحت سيطرتهم.
الوفاة
وقد توفي الظاهر بيبرس فيعام 1277 م ، ودفن دمشق بعد حكم دام 17 سنة ، تولى من بعده أكبر أولاده ناصر الدين الحكم ، إلا أن أولاد بيبرس لم يَدُم لهم الحكم طويلاً ، ثم تولى الحكم الناصر قلاوون .
النياحة
بعد أن أقام على الكرسي الباباوي المرقسي مدة : سنتان وشهران و10 أيام - تنيح البابا غبريال الثالث في يوم 6 طوبه 987 للشهداء - أول يناير 1271 للميلاد .
وبنياحته ، أعيد " يوأنس " إلى الكرسي الباباوي المرقسي بأمر السلطان الظاهر بيبرس في 7 طوبه سنة 987 ش ، ومحل الدفن في دير القديس الشهيد العظيم مرقوريوس أبي سيفين بمصر القديمة.
إرسال تعليق