مقدمة
وقد لفت التلاميذ نظر السيد المسيح إلى الحجارة والأبنية ، فنظر إليها وقال : " هذه الأبنية العظيمة ، لا يترك حجر على حجر لا يُنقَض " .
ومن ثم فقد سيطروا بعنفهم علي المدينة المقدسة أورشليم وهيكلها . وأشاعوا الذعر بين الأهالي ، وعبأوا أفكار الناس ومشساعرهم انتظار لظهور المسيا . كما رحبوا بكل خطوة نحو الدمار والخراب ، كخطوة التحرر وفسروا ظهور المذنبات والشهب والإنذارات المخيفة ، والأعاجيب التي صاحبت تلك الفترة علي أنها علامات لمجئ المسيات وملكه علي الأمم لقد كان تحدي اليهود للدولة الرومانية في ذلك الوقت يعني تحديهم لأكبر قوة مسلحة في العالم وقتذاك ومع ذلك - فقد أعماهم تعصبهم الديني الذي إستوحوه من ذكريات بطولات ثورات المكابيين عن الفشل المحقق .
عندما بلغ نيرون خبر ثورة اليهود ، أرسل فسبسيان قائده الذائع الصيت ، علي رأس قوة كبيرة إلى فلسطين ، وقد بدأت الحملة في سنة 67 م ، إنطلاقاً من ميناء بتولمايس ( عكا ) ، وواجهت مقاومة مُستميتة في الجليل قوامها ستون الف مقاتل ولكن ما لبثت الأحداث في رومـا أن حالت بين فسباسيان وإستكمال النصر ، واضطرته إلي العودة إليها ، بعد أن إنتحر نيرون ، وتَعَاقَب علي العرش الإمبراطوري ثلاثة أباطرة في فترة وجيزة . إنتهى الأمر بأن أعلن فسباسيان إمبراطوراً سنة 69 م ، فعمل علي إعادة الأمن والنظام في ربوع وأقام بعد هذه الأحداث بعشر سنوات ، كان جيش تيطس قوامه نحو ثمانين ألف مقاتلاً مُدرباً تدريباً عالياً ، وأقام معسكره علي جبل سكوبس وجبل الزيتون ، وهى مواقع تمكنه من رؤية المدينة أورشليم والهيكل رؤية واضحة . وكان وادي قدرون يفصل بين الرومان واليهود المحاصرين .
2 - بداية حصار أورشليم وبداية معاناة شعب اليهود من مجاعات و وقحط ووباء عظيم
أخيراً – في يولية سنة 70م – باغت الرومان حصن انطونيا ليلاً ، ونجحوا في الإستيلاء عليه ، وبسقوط هذا الحصن المنيع ، أصبح الطريق مُمهداً لوضع أيديهم علي الهيكل ، فتوقفت الذبائح اليومية في اليوم السابع عشر من يوليه لأن اليهود كانوا في حاجة إلي كل الأيدي للدفاع في الحرب ، ولعل آخر ذبيحة وأغزرها دماء قدمت علي مذبح المحرقة كانت آلاف اليهود الذين ذبحهم تجمهروا حول هيكلهم للدفاع عنه الرومان ، وقد كانتيطس بحسب رواية يوسيفوس ينوي في بادئ الأمر أن يبقي علي الهيكل كعمل معماري رائع يحفظ ذكرى انتصره . وعندما هددت ألسنة النيران قدس الأقداس ، شق طريقه بصعوبة بين اللهيب والدخان ، فوق جثث القتلى ، وتلك التي كانت بين الحياة والموت حتى ما يحصر النيران . لكن جنوده . كانوا في حالة هياج هستيرى نتيجة المقاومة العنيدة التي أبداها اليهود والطمع في كنوز الهيكل الذهبية فلك يكن في الإمكان أيقافهم عن أعمال التخريب ، كانت الأروقة المحيطة بالهيكل هي أول ما احترق منه . ثم ما لبث أن طرحت كتلة نارية عبر البوابة الذهبية . وعندما تصاعدت ألسنة اللهب أطلق اليهود صرخات هستيرية مفزعة ، وحاولوا إخماد النار بينما وجد آخرون عزاءهم وهو يتعلقون بأخر أمل في خلاص المسيا في أن يعلنوا نبوة نبي كاذب مؤداها ان الله وسط حريق الهيكل وسيعطي علامة الخلاص لشعبه ، تنافس الجنود الرومان في تغذية السنة النيران ، وسرعان ما تحول كل البناء الضخم إلى شعلة نارية أضأت السماء .. هكذا أحرق الهيكل في العاشر من أغسطس سنة 70م ، وهو حسب التقليد نفس اليوم الذي خرب فيه الهيكل قديماً علي يد نبوخذ نصر ملك بابل - يقول وهو شاهد عيان في وصفة لخراب الهيكل ( لا يمكن أن يتصور أحد أصوات أعلى وأكثر فزعاً ، مما حدث من كل ناحية أثناء إحتراق الهيكل ، صيحات الإنتصار والفرح الصادرة من الجنود الرومان ، تختلط بصيحات عويل الشعب المحاصر بالنار والسيف فوق الجبل وداخل المدينة ) . وكان الصدى الواصل من كل الجبال المحيطة يزيد هذا الزئير الذي يصم الآذان ، ومع ذلك فالبؤس نفسه كان افظع من هذا الإضطراب ، و كان التل المقام عليه الهيكل يغلى من السخونة ، وبدا وكأنه ملفوف حتى سفحة بطبقة واحدة من اللهب . كانت الدماء في كميتها اكثر من النار ، والمذبحون أكثر عدداً ممن ذبحوهم ، ولم تعد الأرض تُرى في أي موضع ، إذ كانت مُغطاة بأكوام من جثث القتلى ، سار فوقها الجند وهو يتعقبون الهاربين ، وما لبث الرومان أن أشهروا شعاراتهم ( النسور الرومانية ) ، مُثبتين إياها فوق الأنقاض في الجهة المقابلة لبوابة اورشليم الشرقية ، وقدموا لها القرابين ، وهتفوا لقائدهم المظفر تيطس بأعظم تهاليل الفرح.
أورشليم ما بعد خراب هيكلها وسبي شعبها
وقد كانت مدة حصار أورشليم قصيرة بالنسبة للوقت الذي كانوا يحاصرون فيه المُدُن في ذلك الزمان ، وقصيرة بالنسبة لمدينة أورشليم ومناعتهاالطبيعية، لأنها كانت مبنية على جبل.
إرسال تعليق