تاريخ إكتشاف الكتاب المقدس
( إكتشاف أقدم نسخة للعهد الجديد )
مقدمة
لقد كشف لنا علم الآثار حديثاً عن أسرار الماضي الدفينة عن كل ما يخص تاريخ الكتاب المقدس بعهديهِ القديم ، والجديد ، ولعل إكتشاف أقدم نسخة لسفر الرؤيا اللاهوتي من أهم الإكتشافات في هذا المجال ، حيث أكدت لنا هذه السلسلة من الإكتشافات ، صدق النظرية القائلة بأن الكتاب المقدس الموجود بين يدينا الآن ، لم يتأثر بعوامل الزمان على الرغم من زوال النسخ الأصلية - والمكتوبة بأيدي الأنبياء الأقدمون ، والرسل الأولون ، بل إحتفظت الأجيال اللاحقة لتلك الكوكبة الأولى من الأنبياء والرسل المُلهمون ، بالأصول ، ثم قاموا بدورهم بنسخها ، حتى لاتزول الأصول الأولى لمدونات الوحي المقدس بسبب عوامل الزمن.
والحقيقة التي يجب وأن نعلمها جميعاً ، إن العلم - بالمعني المُطلق للكلمة - لم يتأثر بكتاب من الكتب قدر تأثيره بالكتاب المقدس بصفة عامة ، والعهد الجديد بصفة خاصة ، وليس ذلك فحسب ، بل إن التاريخ لم يحتفظ لنا بقدر من المخطوطات القديمة لأي كتاب قدر ما إحتفظ به من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد.
جزء من مخطوطة قديمة لإحدى أناجيل العهد الجديد باللغة اللاتينية
" الرومانية "
فمؤلفات بعض الأقدمين - على سبيل المثال " حوليات تاسيتوس" - لم تصلنا منها سوى مخطوطة واحدة ، كما لم يصلنا من بعض المؤلفات القديمة سوى بضع مخطوطات أو أكثر قليلًا ، كما أن هناك مخطوطات لبعض المؤلفين القُدامي - أمثال يوربيدس (Euripides) ، وشيشرون قد يصل عددها إلى مئات قليلة ، أما العهد الجديد فهناك ما يقرب من 3000 مخطوطة باللغة اليونانية ، بعضها قصاصات تضم بضع آيات، والبعض الغالب مخطوطات تضم العهد الجديد بأكمله ، بالإضافة إلى ما يقرب 2,000 مخطوطة يونانية مُرتبة حسب القراءات الكنسية اليومية ، إلى جانب نحو 8,000 مخطوطة باللغة اللاتينية ، وما يزيد عن 2,000 مخطوطة من الترجمات القديمة في لغات عديدة غير ما يكتشف بين وقت وآخر.
ومن ناحية أخرى، نجد أن سلامة نصوص مخطوطات العهد الجديد ، تفوق - بما لا يُقاس - سلامة أي كتاب قديم آخر. ويرجع تاريخ أقدم مخطوطة معروفة من أعمال بعض المؤلفين القدامى إلى نحو ألف عام أو أكثر بعد موت الكاتب ، وليس من النادر أن يكون الفرق الزمني بضع مئات من السنين أوعلى الأقل ثلاثمائة عام ، كما في حالة فرجيل (Virgil) ، ولكن على النقيض من ذلك ، نجد أن اثنين من أهم المخطوطات التي وصلت إلينا للعهد الجديد ترجع إلى أقل من ثلاثمائة عام من عصر الرسل.
بل إن جزءًا كبيرًا من العهد الجديد باقٍ في مخطوطات بردية ترجع كتابتها إلى مائة أو مائتي عام بعد حياة كاتبيها من الرسل.
ولما كان علماء الكلاسيكيات يفترضون الثقة -عموماً - في الكتابات الدنيوية حتى لو كان الفاصل الزمني بين وقت كتابتها أصلًا وبين وقت تدوين المخطوطة كبيرًا، ولو لم يوجد منها سوى العدد القليل من المخطوطات، فواضح أنه جدير بدارس العهد الجديد أن يثق بأن نص العهد الجديد الذي بين يديه هو نفس ما دونه كاتبوه أصلًا.
الرد على نظرية أخطاء الإستنساخ في الكتاب المقدس
من الجدير بالذكر ، أنه عندما يتم نسخ أي كتاب من الكتب المقدسة بخط اليد ، فلابُد وأن تحدث أخطاء عند النقل سواء سهوًا أو عمدًا - في بعض الأحيان - وعند إستنساخ هذه النسخة تنتقل أخطاء النسخة المنقول عنها إلى النسخة الجديدة علاوة على ما يحدث من الناسخ الجديد من أخطاء وإختلافات عند النقل.
وهكذا كلما زاد عدد مرات النسخ بين مخطوطة أصلية إلى أن نصل إلى مخطوطة من عصر متأخر، زاد عدد الأخطاء والاختلافات في المخطوطة الأخيرة ، فمخطوطة من القرون المتأخرة يكون قد مر بينها وبين المخطوطة الأصلية أجيال من المخطوطات، أكثر مما لو كانت من قرون مبكرة.
ولكن قد ترجع مخطوطة إلى القرن الحادي عشر ولكنها نقلت مباشرة عن مخطوطة من القرن الرابع ، التي لم يفصلها عن المخطوطة الأصلية إلا أجيال قليلة من المخطوطات ، بينما قد تنقل مخطوطة من القرن الثامن عن مخطوطة من القرن السابع يفصل بينها وبين المخطوطة الأصلية عشرون جيلًا مثلًا - من المخطوطات.
إن إستنساخ عمل أدبي قبل عصر الطباعة يختلف عنه بعد إختراعها ، فمن الممكن الآن طباعة أي عدد من النسخ المتطابقة تمامًا ، أما قديمًا فكانت كل نسخة تكتب على حدتها باليد. وفي مثل تلك الأحوال، كان لابد ألا تتطابق تمامًا أي مخطوطتين من أي كتاب وبخاصة إذا كان كبيرًا نوعًا.
ويغطي عصر الكتابة اليدوية للمخطوطات فترة من الزمن يبلغ ثلاثة أرباع الزمن منذ إتمام كتابة العهد الجديد حتى الآن ، ونظرًا للأعداد الهائلة التي تم نسخها من مخطوطات بعض أو كل العهد الجديد ، خلال القرون الأولى، فإن معنى هذا أن العديد من الاختلافات قد وجدت طريقها إلى المخطوطات.
وقد فقدت أصول أسفار العهد الجديد -بلا شك- في زمن مبكر جدًا. ومعنى هذا أنه ليس من الممكن أن نحدد بدقة كاملة كل كلمة من الكلمات الأصلية للعهد الجديد على أساس أي مخطوطة بذاتها ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بمقارنة العديد من المخطوطات ووضع أسس تحديد الشكل الدقيق - بقدر الإمكان - للنص الأصلي.
هذا - وتُعرف دراسة مخطوطات الأعمال الأدبية - التي فقدت أصولها - بهدف تحديد النص الأصلي ، بإسم : { نقد النصوص(texual criticsim) } ، ومع أن العهد الجديد هو أكبر وأهم مجال لهذه الدراسة ، فإن الدراسة النقدية للنصوص أمر ضروري لكل عمل أدبي قديم ، إذ يندر جدًا وجود النص الأصلي بخط يد الكاتب القديم نفسه.
إن نقد النصوص أمر جوهري ومطلب ضروري لدراسة العهد الجديد ، لأنه يجب أن يسبق تحديد النص الأصلي محاولة تفسيره.
إكتشاف أقدم مخطوطات للعهد الجديد
فيما يختص بمخطوطات العهد الجديد - شاملة " كتاب سفر الرؤيا " ، فإن العدد الكبير نسبيًا المعروف لنا الآن، لا يمثل - بدون شك - إلا نسبة ضئيلة من العدد الضخم الذي تم إنجازه في القرون الأولى.
وفي الحقيقة لا يمكننا بأي حال أن نثبت أن مخطوطة معينة هي الأصل الذي نقلت عنه مخطوطة أخرى، كما لا يمكننا أن نحدد عدد الأجيال من المخطوطات التي تفصل بين أي مخطوطة والمخطوطة الأصلية ، ولذلك يفترض العلماء - بعامة - أن مخطوطة من عصر متأخر يفصل بينها وبين المخطوطة الأصلية عدد من أجيال المخطوطات أكثر مما يفصل بين مخطوطة من عصر مبكر والمخطوطة الأصلية، أقل قيمة من الثانية ، مع إعترافهم بوجود بعض الإستثناءات لهذه القاعدة.
جزء من مخطوطة قديمة لسفر الرؤيا
دير القديس الأنبا مقار – برية وادي النطرون
ويجب ألا يخطر على بالنا أن نصوص العهد الجديد مبنية على أسس مشكوك في صحتها بسبب العدد الكبير من أجيال المخطوطات ، أو بسبب العدد الضخم من الإختلافات الموجودة في المخطوطات ، ففي الواقع لا يحوم أدنى شك حول الجزء الأكبر من كلمات العهد الجديد.
على الجانب الآخر - لم يسترع إنتباه ناقدي النصوص سوى جزء صغير جدًا نسبيًا من كلمات العهد الجديد ، فكل مخطوطات العهد الجديد في واقع الأمر متطابقة ولا يوجد أدنى شك في سبعة أثمان كلمات العهد الجديد ، ولو غضضنا الطرف عن الاختلافات عديمة القيمة ، فإن 1/60 (نحو 1,67%) فقط من كلمات العهد الجديد يمكن أن تكون موضع تساؤل ، وما لا يزيد عن كلمة واحدة من كل ألف كلمة (0,1%) يمكن أن يدور تساؤل جوهري حول النص الأصلي لها، إلا أنه ما من عقيدة من عقائد المسيحية مبنية على نص غير محقق أو يحوم حوله أدنى شك.
إرسال تعليق