سلسلة شخصيات من الكتاب المقدس
شخصية ماريوحنا المعمدان
مقدمة
هو يُوحَنَّا الْمَعْمَدَان - أو يحيى المعمداني - وقد عرف بأنه هو من عمّد يسوع المسيح.
وقد ولد يوحنا المعمدان - وذلك وفقاً لما جاء بالإنجيل المقدس - من والدين تقيين وهما زكريا الكاهن وأليصابات ، ويذكر التقليد المسيحي عين كارم على أنها موطن زكريا وأليصابات أبوي يوحنا المعمدان سابق المسيح ، وهو أيضاً النبي يحيى بن زكريا لدى الديانة الإسلامية ونبي الديانة الصابئية المندائية لدى الصابئة ، حيث يُنسب له كتاب دراشة أد يهيا ( تعاليم يحيى ) ، وهو أحد الكتب المقدسة في الديانة المندائية، كما أن يحيى أو يوحنا المعمدان أو يحيى بن زكريا ، ويعتبر نبياً حسب الديانة البهائية.
ولعل من أشهر ألقاب يوحنا المعمدان هو لقب "المعمدان" وذلك لكونه عمّد يسوع، غير أن هذا اللقب لم يكن متداولاً على نطاق واسع في كتابات العهد الجديد بل إنه استعمل للإشارة إلى يسوع نفسه كما في الرسالة إلى العبرانيين 6\20.
وكان أول من دعا يوحنا بالمعمدان هيراكليون الغنوصي في القرن الثاني خلال شرحه إنجيل يوحنا، وبعد ذلك إستعمله عدد من كبار آباء الكنيسة مثل كليمنت الإسكندري وأوريجانوس، ومن خلالهم دخل حيّز الإستعمال على نطاق واسع؛ وقد قبلت الكنيسة، بوصفها المؤسسة الرسمية في المسيحية، تسمية "المعمدان" و"السابق" و"المعمدن للمسيح" و"الشهيد الأول" و"الصائم" و"أقرب صديق للمسيح" كألقاب أخرى مضافة إليه، غير أن الكنائس ذات التراث الشرقي والكنائس ذات التراث الغربي شاع في كليها على حد سواء لقب "المعمدان" حتى أصبح رديفًا لإسم اليوم.
المولد والنشأة الأولى
وفقاً لما ورد في المصادر الرسمية التي تؤرخ للمسيحية ، فإن والد يوحنا هو زكريا النبي ووالدته هي أليصابات وكلاهما من أسباط بني إسرائيل وتحديدًا من السبط الذي أوكل إليه حسب رواية العهد القديم منذ أيام النبي موسى شؤون الخدمة الدينية للأسباط وهو سبط اللاويين ، وكانت مهام السبط تشمل خدمة تابوت العهد وبعد أن شيد النبي سليمان هيكل بيت المقدس أوكل إليهم خدمته أيضًا وبشكل احتكاري، بحيث يورث الآباء مهنتهم للأبناء.
وقد كانت عادة كل سبط أن يقسم بدوره إلى مجموعة من الفرق ، بحيث تشكل كل فرقة من ذرية أحد شيوخ السبط، وبحسب إنجيل لوقا فإن يوحنا ينتسب لفرقة أبيا،[لوقا 1\5] ، أما أليصابات فهي بدورها من سبط لاوي ، إذ يشير إنجيل لوقا أنها من ذرية هارون شقيق موسى النبي ، ومن المعروف أن سبط اللاويين إنما هو ذرية النبي هارون ، حسب ما جاء في رواية سفري الخروج والعدد ، غير أنه صمت حول فرقتها.[لوقا 1\5] ، وسبب تقسيم سبط اللاويين بنوع خاص إلى فرق يعود لكثرة عددهم، فخلال عهد الملك هيرودس كان يوجد نحو عشرين ألف كاهن في كل أنحاء البلاد ، وهو عدد ضخم من أن يتمكن معه كل الكهنة من الخدمة في الوقت نفسه ، ولذلك تم تقسيم الكهنة إلى أربع وعشرين فرقة منفصلة قوام كل فرقة بين 800 و1000 كاهن وذلك حسب تعليمات مذكورة في سفر أخبار الأيام الأول.
وعن حياة هذه الأسرة يقول الإنجيل: "وكان كلاهما بارين أمام الله، يسلكان في وفقًا لوصايا الرّب وأحكامه كلها بغير لوم" [لوقا 1\6] ، غير أنّ أليصابات كانت عاقرًا وهي وزوجها متقدمين في السن.
وفي المجتمعات الشرقية القديمة - ومنها المجتمع اليهودي - فإن قيمة المرأة ، كانت تقاس بمقدار قدرتها على إنجاب الأطفال ، ولذلك فن التقدم في السن بدون إنجاب غالبًا ما يؤدي إلى مشكلات شخصية وعار اجتماعي، إلى جانب ذلك كان ينظر إليه كمصاب من قبل الله، لعدم صلاح العائلة ، ما يشكل - من وجهة نظر المجمع - سببًا إضافيًا لمزيد من النبذ والعزلة. وبالتالي تنطوي آية إنجيل لوقا على تنفاض من وجهة نظر المجتمع آنذاك: "وكان كلاهما بارين أمام الله ، يسلكان وفقًا لوصايا الرب وأحكامه كلها بغير لوم، ولكن لم يكن لهما ولد، إذ كانت أليصابات عاقرًا وكلاهما قد تقدما في السن كثيرًا".[لوقا 1\5-6] ، وبالتالي فإن إنجيل لوقا يحاول أن يظهر أن ما قد يعتبر تناقضًا في الظاهر لا يمكن أن يحتمل تناقضًا حتميًا من وجهة نظر الله. ويقول إنجيل لوقا ان عائلة زكريا كانت تسكن في "جبال يهوذا" التي تقع إلى الجنوب الشرقي من القدس على الطريق نحو بيت لحم ، وقد قال أغلب آباء الكنيسة وكذلك مؤرخون معاصرون أنها قرية يطا قرب الخليل والمعروفة تاريخيًا باسم "حبرون".
معمودية السيد المسيح في نهر الأردن
أما المعمودية التي كان يوحنا يقوم بها فهي رمزاً للإغتسال من الخطايا وبالتالي شكلت طقسًا عمليًا لرسالته القائمة على التوبة والإصلاح.
نشاط يوحنا المعمدان كان قد تم خلال فترة عصيبة من تاريخ بني إسرائيل، إذ لم يرسل نبي لبني إسرائيل منذ أربعة قرون، وتحديدًا منذ عهد النبي ملاخي حسب الديانة اليهودية، وهذا ما خلق حالة من الانتظار لدى بني إسرائيل ليس فقط لنبي بل "للمسيح" الذي وعد به من أيام داود مخلصًا لبني إسائيل ومقيمًا للعدل والسلام على الأرض، ولذلك "كان الجميع يسائلون أنفسهم عن يوحنا: "هل هو المسيح؟"[ لوقا 3\15 ].
أما جواب يوحنا فقد كان واضحًا بأنه ليس هو "المسيح"، بل قال إن المسيح حينما يأتي من بعده، لا يستحق يوحنا "أن يحل رباط حذائه"، وقال أيضاً أن المسيح حينما يأت سيعمد بالروح القدس.[لوقا 3\16] ووفق العقائد المسيحية ، فإن يوحنا إنما كان يشير في حديثه إلى يسوع نفسه، ووفق هذه العقائد أيضًا ، فإن نبؤة يوحنا المعمدان عن "معمودية الروح القدس" قد تحققت فعلاً حين نزل الروح القدس على التلاميذ الاثني عشر وجموع من المؤمنين معهم، بعد عشرة أيام من ارتفاع يسوع إلى السماء حسبما جاء في سفر أعمال الرسل. وقد كتب العديد من اللاهوتيين وآباء الكنيسة عن سبب استخدام يوحنا للمعمودية، ويمكن جمع أبرز الآراء بأن يوحنا قد إستخدم عملاً رمزيًا يستطيع الناس أن يروه ليدركوا ما هو مطلوب منهم أن يفعلوه ، فالإغتسال الخارجي ـ إنما هو رمز "لاغتسال داخلي من الخطيئة".
وبمعنى آخر - فإن يوحنا كان يعمد الناس علامة على أنهم التسموا من الله أن يغفر خطاياهم ، وغير أن العماد يظل علامة خارجية أما اللامة الحقيقية فهو بتغيير مواقفهم وإرتدادهم عن الخطيئة ، ذلك - إلى جانب كون المعمودية - كانت بمثابة عادة منتشرة في المجتمع اليهودي، وكثيرًا ما كان اليهود يعمدون غير اليهود الراغبين في اعتناق اليهودية، أما الكنيسة الأولى ، فقد ذهبت بالمعمودية لتفسير جديد وربطتها وبين موت يسوع وقيامته.
إرسال تعليق