سلسلة
دراسات في تاريخ المسيحية
القديسة
هيلانة وإكتشاف المواضع المقدسة
(( القرن الرابع
الميلادي ))
منذ أن وقعت أحداث الصلب والموت والقيامة لمخلصنا يسوع المسيح ، والذي تحقق بموجبها الخلاص لجميع بني البشر ، من عبودية إبليس ، وفُتحت أبواب الحياة الأبدية أمام الجميع ، ممن يعلنون إيمانهم بهذه القيامة الإنتصارية للسيد المسيح ، والتي - بموجبها - وبواسطتها - لم يعد للموت سُلطان على الإنسان ، لم يرد أي ذكر في أي مصدر من مصادر التاريخ ، أو مدونات المؤرخين ، عن مكان وجود الصليب المُقدس ، والزخائر المقدسة [ مسامير الصلب ، إكليل الشوك ، الكرابيج المستخدمة في جَلد وتعذيب رب المجد يسوع المسيح ] ، ولم يتحدث أي كتاب عن مكان تواجدها ، إلا في فترة حكم الإمبراطور المؤمن " قسطنطين الكبير " [ 313م - 234 م ] .
المولد والنشأة الأولى للقديسة هيلانة
وُلدت القديسة (هيلانة) (حوالي 250-327 م) بمدينة الرُها من أبوين مسيحيين نحو سنة 247 م ، فربّياها تربية مسيحية وأدّباها بالآداب الدينية.
الحياة الشخصية والزواج
وكانت حسنة الصورة ، جميلة النفس ، وإتفق لقسطنطس ملك بيزنطية - أن نزل بمدينة الرُها ، وسمع بخبر هذه القديسة وجمال منظرها ، فطلبها ، وتزوجها حوالي عام 270م ، فرزقت منه بقسطنطين ، فربّته أحسن تربية وعلّمته الحكمة والآداب.
وفي عام 293م إلتزم قُنسطنس بأن يطلقها لكي يرتبط بقرابة مع الإمبراطور الأكبر في الغرب أوغسطس مكسيميان ، بزواجه من إبنة له من زواج سابق تُدعى ثيؤدورا.
الإرتباط الوثيق بين القديسة هيلانة وإبنها قسطنطين
وقد إستمرت هيلانة مرتبطة بإبنها ، أما الثلاثين عام التالية ، فلا نعرف عنها شئ يُذكر.
ففي ظروف حرجة ، عاد لهيلانة مكانتها العظمى عندما ملك قسطنطين ، وقد كانت لنٌصرة قسطنطين على ليسينيوس Licinius في عام 324م ، جعلته الحاكم الوحيد على الإمبراطورية الرومانية ، والصراع الخطير داخل الأسرة المالكة أدى إلى استبعاد الزوجة الثانية فوستا Fausta وإبنه كريسيس Crispus.
وقد هيأت الملكة هيلانة قلب إبنها قسطنطين ليقبل الإيمان بالسيد المسيح ـ وفي الوقت المعين ظهرت له علامة الصليب في السماء وقد نُقش تحته "بهذا تغلب". بالفعل إنتصر ، وآمن بالمصلوب ، وصار أول إمبراطور روماني مسيحي.
رحلة البحث عن الصليب والزخائر المقدسة في أورشليم
تمثال القديسة هيلانة مُمسكة بيدها الصليب المقدس
كنيسة القديس بطرس - الفاتيكان
لقد إشتركت القديسة هيلانة مع إبنها الإمبراطور قسطنطين بخصوص إقامة مبانٍ كنسية في بيت لحم وأورشليم ، وإكتشافها للصليب المقدس ، سبب حركة إحياء لأورشليم وشجع على السياحة إليها .تقول الرواية ـ أن القديسة هيلانة ، كانت قد رأت في الليل من يقول لها : " إمضِ إلى أورشليم وافحصي بتدقيق عن الصليب المجيد والمواضع المقدسة ".
وإذ أعلمت ابنها بذلك أرسلها مع حاشية من الجند إلى أورشليم، فبحثت عن عود الصليب المجيد حتى وجدته ، كما وجدت الصليبين الآخرين الذين صلب عليهما اللصان ، فقصدت أن تعرف أيهما هو صليب السيد المسيح ، فأعلمها القديس مقاريوس أسقف كرسي أورشليم بأنه هو الصليب المكتوب أعلاه : " هذا هو يسوع ملك اليهود ".
ثم سألته أن ترى آية ليطمئن قلبها ، فاتفق بتدبير السيد المسيح مرور قوم بجنازة ميت في ذلك الحين ، فوضعت كلاَّ من الصليبين على الميت فلم يقم ، ولما وضعت الصليب الثالث ، قام الميت في الحال ، فإزداد إيمانها وعِظَم سرورها.
البدء في بناء كنائس المواضع المقدسة بأورشليم
ثم شرعت الإمبراطورة هيلانة بعد ذلك في بناء الكنائس الأشهر في تاريخ أورشليم ، والتي تم تشييدها في جميع المواضع التي إرتبطت بحياة السيد المسيح ، والتي كانت بمثابة مواضع مقدسة ، حيث كانت لا توجد بأورشليم سوى كنيسة واحدة ، ألا وهي كنيسة أورشليم والتي تأسست في موضع عُليٌة صهيون [ بيت القديس مرقس الرسول ] ، وبعد ما سلمت للأب مقاريوس المال اللازم لعميلة البناء أخذت الصليب المجيد والمسامير وعادت إلى إبنها الملك البار قسطنطين ، فقبَّل الصليب ووضعه في غلاف من ذهب مرصع بالجواهر الكريمة ، ووضع في خوذته بعض المسامير التي كانت به. صارت هيلانة مثلاً حيًّا للإمبراطورة المسيحية التي تساهم في جعل الإمبراطورية الرومانية مسيحية.
كنائس أورشليم المقدسة التي تم بناءها بأمر من القديسة
هيلانة
تأسست في الفترة من سنة 325م وحتي سنة 330م
كنيسة المهد
كنيسة القيامة
كنيسة التجلي
الصورة بأعلى : كنيسة الصعود
الصورة بأسفل : الصخرة التي إرتفع فوقها السيد المسيح إلى السماء
كنيسة الجثمانية تعلوها كنيسة كل الأمم
على جبل الزيتون
كنيسة كل الأمم
قبر القديسة العذراء مريم جانب من الزخائر المقدسة التي عثرت عليها القديسة هيلانة خلال رحلة إستشكافها لآثار السيد المسيح في أورشليم وهي تتمثل في :
1- إكليل شوك السيد المسيح .
2- مسامير الصلب المقدس :
أ - مسامير القدمين .
ب - مسامير الكفين .
3 - أدوات تعذيب السيد المسيح .
4 - اللوحة التي عُلقت فوق خشبة الصليب ومكتوب فيه
" هذا هو ملك اليهود ."
فيديو عن أحداث الآلام والصلب والزخائر المقدسة
نياحة القديسة هيلانة بعد أن أمضت الملكة والقديسة هيلانة ، أيام حياتها على هذه الأرض ، تصنع الخير ، وتُحسن على الفقير والمريض ورتبت أوقافاً كثيرة على الكنائس والأديرة والفقراء ، وبعد أن سارت لها في هذه الدنيا سيرة مُرضيٌة ، سعت خلالها من أجل إرساء دعائم الكنيسة وترسيخ مبادئ الإيمان المسيحي في ربوع الإمبراطورية الرومانية كلها ، وبذلت جهوداً كبيرة من أجل ترتيب العديد من الأوقاف على الكنائس والأديرة والفقراء ، تنيّحت القديسة هيلانة بسلام ، في عام 327م ، وهي في سن يُناهز الثمانين عاماً . [ راجع السنكسار القبطي / يوم 9 بشنس ] .
نبذة عن تاريخ الإمبراطور قسطنطين الكبير
الإمبراطور قسطنطين الكبير
كان أغلب القادة الكنسيين ، معجبين بشخصية الإمبراطور قسطنطين الكبير ( حوالي 285 - 337م ) ، وأمه الملكة هيلانة ، يتطلعون إليهما كشخصين بارين ، قاما بدورٍ عظيم في تاريخ الكنيسة الأولى ، مع أنه لم ينل العماد إلا في السنة الأخيرة من حياته على يدي الأسقف الأريوسي يوسابيوس النيقوميدي ، إلا أنه يتحدث عن نفسه كمسيحي غيور، جعل من المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية ، وأمر بحفظ يوم الأحد ، وصادر المعابد الوثننية ، وحوّل الكثير منها إلى كنائس ، وعفا رجال الدين المسيحي من الضرائب ، كما تدخّل للأسف في المشاكل الكنسية ، وهو الذي دعا إلى عقد أول مجمع مسكوني في العالم في نيقية عام 325 م.
وقد عشق المؤرخ يوسابيوس القيصري - الإمبراطور " قسطنطين الكبير " ، نظراً لمواقفة الجليلة هو وأمه القديسة هيلانة في الحفاظ على الإيمان المسيحي ، وإعلاء شأن المسيحية في عموم الإمبراطورية الرومانية ، ودعمها وتأييدها بكل ما يملك من قوة ونفوذ وسلطان ، فقام سجّل بكتابة تاريخه كتابة مفصٌلة.
على الجانب الآخر - مدحه المدافع لاكتانتيوس ، وقال عنه هوسيوس أسقف كوردونا - بأسبانيا أنه ( صنع عجائب في الكنيسة ).
إرسال تعليق