✝📖✝️ موسوعة الكتاب المقدس ✝️📖✝
| الجزء الأول : العهد القديم |
(( أولاً - الأسفار الموساوية الخمسة
📖 ))
4 - سفر التثنية 📙
مقدمة عامة في "سفر التنثية"
يُطلق على سفر التثنية في اللغة العبرانية إسم : DEUTRO NOMY ، وهذه الكلمة مأخوذة عن الأصل DEUTEROS ، ومعناها ثانية ، ومنها بالفرنسية DEUX = رقم 2.NOMOS ومعناها ناموس ، فيكون المعنى إذاً { الشريعة الثانية } ، أو { تكرار الشريعة } ، مما يفيد ويؤكد الإسم المعروف به هذا السفر وهو { سفر التثنية } ، وهكذا دُعي في [ الترجمة السبعينية ].
كما أنه في اللغة العبرية يُسمى { التثنية } أو { تثنية الإشتراع } - أي بمعنى (إعادة الشريعة وتكرارها ثانية).
سفر التثنية وسط الأسفار الموساوية الخمسة
لقد إقتنى الله لنفسه شعبًا في سفر التكوين. وعزله في مصر بعيدًا عن نجاسات الكنعانيين. وأقامهم في مصر في عزلة في أرض جاسان بعيدًا عن وثنية أهل مصر. ولكنهم تذوقوا مرارة العبودية لفرعون لفترة، بعدها حررهم الله من عبوديتهم لفرعون. وقد رأى ضرورة انفصاله عن كل أثار الخطية والعبودية في سفر الخروج. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكان لا بُد له من شريعة يسير عليها ليعرف طريق العون السماوي وهو دم الفداء الثمين وذلك في سفر اللاويين. وعلى هذا الشعب أن يتدرَّب ويتعلم من الله وهذا ما أعلنه سفر العدد. والآن ونحن على أبواب كنعان التي حُرِمَ منها الشعب بسبب عدم إيمانهم ثم عدم طاعتهم في موضوع التجسس لمدة 40 سنة.
هذا - وقد دُعي السفر هكذا لأن موسى أعاد على الشعب فيه الكثير من تاريخهم ومن الوصايا والشرائع التي أعطاها لهم الرب سابقًا وسبق ذكرها في أسفار اللاويين والعدد والخروج.
وموسى قال ما قاله بوحي من الروح القدس، فالكتاب كله موحَى به من الله (2تى16:3). 2- هل تكرار هذه الوصايا والشرائع والتاريخ هو تكرار بدون فائدة؟! من المؤكد أن لكل كلمة فائدتها في الكتاب المقدس ونستطيع أن نلمح تمايزًا بين سفر التثنية وباقي الأسفار نلخصه فيما يلي:-
أ- سفر اللاويين والعدد هما أسفار موجهة للكهنة واللاويين ليجدوا فيها الشرائع وطقوس العبادة والأحكام. أما سفر التثنية فهو موجه للشعب لذلك تجد فيه الكثير من الإيضاحات والشرح والتفسير والحث على الالتزام بها.
ب- ألقى موسى عظات هذا السفر في آخر أيام حياته كأحاديث وداعية بعد أن اختبر الوصايا ونفذها وإلتزم بالطقوس والشرائع، وبعد أن نفذها، تذوقها، وتذوق طعم العشرة مع الله وحلاوة تنفيذ وصاياه. ونجده هنا لا يريد أن يغادر العالم قبل أن يظهر لشعبه أن الوصايا ليست جامدة ولا الطقس جامد بل فيه كل الحب. هو يشرح الآن كمُختبر مُتذوق يود لو أن كل فرد في شعبه يتذوق هذه الحلاوة مثله.
ج- موسى الخادم الأمين مثل بولس الرسول الخادم الأمين لا يجدون تكرار الوصايا والتعليم شيء ثقيل عليهم (في 1:3) وذلك لمحبتهم لشعبهم. فهذا السفر هو خلاصة محبة موسى لشعبه حتى يؤمنهم. د- موسى لا يُكرر الكلام بدون داعٍ بل هو سفر التذكرة لوصية الله (تث 8:6) وهو شرح في ضوء الأحداث التي عاشوها خلال الأربعين سنة. ونحن نحتاج للتذكرة لأننا ننسى. خصوصًا فموسى يقدمها للشعب قبل دخولهم أرض الميعاد لتكون دستورهم في الأرض الجديدة.
الدخول في أحداث السفر وماهيته
هـ- نغمة هذا السفر هي الطاعة القائمة على المحبة. ولنلاحظ أن وصية موسى والتي لخصها السيد المسيح "أن تُحب الرب إلهك من كل قلبك، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (مت22: 37-39). فهي دعوة للطاعة, ودعوة للحب ليكون لهم راحة وليدخلوا أرض الميعاد ويكون لهم راحة وإستقرار وثبات فيها. ولكن كيف تنشأ الطاعة نتيجة للمحبة؟ ب*والمعرفة تقود لمحبته، لماذا؟ لأنه هو يستحق المحبة.
ج*والبداية تكون بالتغصب. "ملكوت السموات يغصب" مت12:11).
د*وما الذي يدفعهم للتغصب؟
1. بالنسبة لشعب إسرائيل في البرية أن يضعوا نصب أعينهم ماذا حدث لأبائهم في البرية من ألام نتيجة عصيانهم، ويفهموا أن هذا سوف يكون مصيرهم إذا لم يطيعوا وصايا الله.
2. وبالنسبة لنا، إحتياجنا لله كل الوقت، فبدونه نحن لا شيء وفي منتهى الضعف. راجع تفسير (رؤ17:3). 3. وهذا هو تعليم السيد المسيح "ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه" (مت12:11). ه*ولكن لو أطعنا الوصية سنتلامس مع الله ونعرفه فنحبه، بل سندرك حلاوة تنفيذ الوصية فتتفذها بإقتناع وبلا تغصب (النقطة أ). و*ولو أحببنا الله لأطعناه من كل القلب وبدون تغصب "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو23:14). وهذا ما إختبره موسى وود لو إختبره كل فرد في شعبه. وهذا ما إختبره الشعب إذ هلك أباءهم في البرية لعدم طاعتهم . وموسى يُحذرهم حتى لا يفعلوا مثلهم بل يطيعوا الوصايا.
و- هو سفر الحب المُشترك بين الله وشعبه، الله أحب شعبه وخلصه وحفظه في رحلته في البرية وعليهم حفظ وصايا الله إعلانًا لحبهم فتكريس قلوبهم بالطاعة والعبادة هو الطريق العملي لإعلان الحب وهذا هو طريق دخول أرض الميعاد. هذه الطاعة فشل فيها آدم الأول، فأتى المسيح آدم الأخير ونفذها إذ قال في بستان جثسيماني "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ" (مت39:26). وطاعة المسيح هذه صارت لحسابنا، ففي المسيح ستكون طاعتنا لله سهلة، فهذا معنى قول رب المجد "إحملوا نيري فهو هين وحملي فهو خفيف" (مت11: 29 ، 30)، وأيضًا كما يقول القديس بولس الرسول "نَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ، وَٱلْخَطِيَّةَ ٱلْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ" (عب1:12). ز- طالما هو سفر الطاعة والحب لذلك سمعنا فيه لأول مرة عن نبوة صريحة عن مجيء المسيح بالجسد كنبي مثل موسى ومن وسط إسرائيل (تث15:18-19). بل أول مرة نسمع عن أن الصليب لعنة (تث 23:21) فلماذا قيل عن الصليب لعنة؟ كان هذا لكي يشرح الله لنا أن المسيح صُلِب ليحمل عنا اللعنة، كما قال القديس بولس الرسول "اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لِأَجْلِنَا، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (غل13:3). فتجسد المسيح وصليبه ظهر فيهم المحبة والطاعة، وأيضا حمل اللعنة عنا. (يو15: 13 + رو8: 32 + في2: 6-8). ح- لأنه سفر الحُب ينفرد عن باقي الأسفار في بعض المصطلحات مثل " حملك الرب إلهك " (تث 31:1). ومثل تحب الرب إلهك من كل قلبك (تث 5:6). ط- تكرار الشريعة كان لازمًا لأن الجيل الأول الذي استلمها لأول مرة مات جميعه في البرية. وكان موسى يريد أن يتأكد من فهمهم للوصايا قبل دخول الأرض الجديدة فلا يتشبهوا بأهلها في عباداتهم الوثنية. هو أب حنون يريد أن يطمإن على أولاده ومحبة موسى لشعبه هي صورة بسيطة من محبة الله لهم.
3- كاتب السفر هو بلا شك موسى النبي ما عدا الإصحاح 34 الذي يتضمن خبر موته. 4- لأهمية هذا السفر نجد:-
أ- كل ملك يجلس على كرسيه يكتب نسخة من هذا السفر ليحفظها ويعمل بها (تث 18:17). ب- على الشعب أن يكتب نصوصه على نصب من الحجارة يكون أمام أعينهم (تث 3،2:27).
ج- سلم موسى للكهنة والشيوخ هذا السفر وأمرهم بقراءته على مسامع الشعب في عيد المظال (تث 9:31-13). د- اقتبس السيد المسيح ردوده على إبليس يوم التجربة من هذا السفر (تث 16،13:6 + 3:8).
5- كتب موسى هذا السفر في أواخر السنة الأربعين للخروج.
تقسيم السفر
ينقسم السفر إلى ثلاث عظات ونشيد وبركة وختام
العظة الأولى 1-4 العظة الثانية 5-28
العظة الثالثة 29-30 النشيد 31-32
بركة موسى للشعب 33 الختام 34
8- هناك أفكار رئيسية في هذا السفر وتتكرر لأهميتها حتى لا ينساها الشعب:-
أ- العبودية والفداء:- لا يجب أن ينسى إسرائيل أنه كان عبدًا في مصر، فيذكر دائمًا أن الخطية هي السبب.
ب- محبة الله:- فهو خلصهم بذراع شديدة فعليهم أن يحبوه (ولو أحبوا آلهة أخرى يستعبدوا لها) ولو أطاعوا تكون لهم البركة.
ج- النصيب الصالح :- الرب أعطاهم أرضًا جيدة تفيض لبنًا وعسلًا
د- شعب الرب:- هم أخص من جميع الشعوب ويجب أن يكونوا نورًا للعالم
و- مذبح الرب:- في المكان الذي يختاره الرب (أصبح أورشليم بعد ذلك).
9- يتسم هذا السفر بكلمات معينة مثل " إسمع / تعلم / إحترز / إعمل وليس المقصود بالسمع هو السمع فقط بل أن يسمع الإنسان ويعمل. " طوبى لمن لهُ أذنان للسمع..." فالدعوة للسمع هي دعوة للطاعة أيضًا فالسماع ليس للمعرفة فقط بل حتى ننفذ ما نسمع ونضبط أنفسنا على حسب ما نسمع.
10- كان موسى يذكرهم بخطاياهم في البرية ومحبة الله لهم وعنايته والتكرار حتى لا ينسوا أعمال الله. فنحن نذكر خطايانا حتى لا ننتفخ ونتكبر ونذكر محبة الله فتلتهب قلوبنا حبًا نحوه....
11- امتلاك الأرض وحب الله لهم وعطاياه، هذه نعمة مجانية لا يستحقونها بسبب خطاياهم فهم شعب عنيد. ولكن هناك شرط حتى يظلوا في الأرض ولا يُحرموا منها، ألا وهو الطاعة وهذه تشبه " من يغلب... لن أمحو اسمه من سفر الحياة" (رؤ3: 5). 12- كاتب الإصحاح الأخير غالبًا هو يشوع بن نون الذي أكمل المسيرة ودخل بالشعب إلى أرض الميعاد. 13- موسى يُقدم في سفر التثنية ما يُمكن تسميته تفسير التاريخ بطريقة روحية فمثلًا:-
أ- هم قضوا 40 سنة توهان في البرية ولكن هذا لم يكن صدفة بل عقوبة من الله بسبب عصيانهم.
ب- ثيابهم لم تبلى هذه السنين كلها بل وأحذيتهم أيضًا وربما هم لم يلاحظوا هذا ولكن موسى هنا يشير لهذه المعجزة وهي دليل عناية الله بشعبه.
ج- خروجهم من مصر ونجاتهم يشيران لقوة الله واختيارهم كشعب لهُ.
إذًا فتفسير التاريخ بطريقة روحية سيؤدي إلى أن نفهم أن الله هو ضابط الكل.
14- اقتبس العهد الجديد من هذا السفر 83 مرة تقريبًا. فالمسيح في حواره مع المُجرِّب رد عليه بآيات من هذا السفر واقتبس منه حينما لخص الناموس.
15- يُمكن القول أن السفر هو معاهدة بين الله والشعب إن التزموا بوصاياه يُباركهم والعكس. والله يود أن يتبادل الحب مع شعبه إن أحبوه سيفرحون ويجدوا بركات. وعلامة حب الله لهم بركاته وعلامة محبتهم لله طاعتهم. وهذا نفس ما أراده الله مع آدم، ولكن آدم اختار عدم الطاعة فمات.
من الآثار المؤكدة لصحة أحداث الأسفار الموساوية
صورة لوحة عليها رسم وجه لإنسان يعود تاريخها إلى القرن
الثامن قبل الميلاد يعتقد العلماء أنه
موسى النبي .
تتبع البقية في الأجزاء القادمة
للكاتب والباحث الشماس / أشرف صالح
إرسال تعليق