عن
زوال الإمبراطورية الرومانية
(
السلالة الهرقلية )
لقد طُبِعَ عهد يوستينيانوس الأول
الطويل (527 - 565) م - الامبراطورية الرومانية بطابع قوي ، سواء بفتوحاته العسكرية
التي سمحت بتوسيع حدود الإمبراطورية - أو بعمله السياسي القضائي.
غير أن الوضع في الإمبراطورية الرومانية بشكل عام في نهاية عهده بصورة خاصة - وفي عهد خلفائه بصورة عامة - لم يكن مزدهراً ، حيث شكّلت نهاية القرن السادس الميلادي ، مُنعطفاً
هاماً في وضع الامبراطورية التي أصابتها مجموعة من الكوارث والحروب على كل
الجبهات ( الصقالبة ، والبلغارية ، والفارسية ، والأفارية ) ، على خريطة العالم السياسي .
وعلى الرغم من أن
الإمبراطور موريس ( 582 - 602 ) م ، كان قد حقق العديد من الإنتصارات المهمة ضد الفُرس ، إلاّ أن
الإمبراطورية الرومانية ، كانت قد عرفت حالة من عدم الإستقرار ، كانت الأسباب الجوهرية في حدوثها هي : الإجتياحات الداخلية ، والأزمة التي كانت تتفاقم حين تلو الآخر في الداخل أيضاً ، والتي
أعوصول فوقاس (602 - 610) م ، إلى سِدّة الحكم.
الإمبراطور فوقاس
وفي خلال العام 608 م ، قام الملك هرقل ، وهو
مؤسِّس سلالة الهرقليين ، بمغادرة قرطاجة باتجاه تيسالونيك ، فبلغ القسطنطينية في سنة
610 م - على رأس أسطول قوي لقلب فوقاس ، فألقي القبض على هذا الأخير ، وقُتل في الحال ،
وفي اليوم ذاته ـ تزوج هرقل ، وتُوِّج امبراطوراً (610- 641)م .
دشّن هرقل عهده بالقيام بردة
فعل على طغيان فوقاس ، وعلى عجز هذا الأخير عن صدّ تقدم الفرس الساسانيّبن.
وفي العام 614 م ، إستولى الفرس
على القُدس ، وأخذوا الصليب المقدّس ، وأحرقوا كنيسة القيامة.
وفي الوقت عينه ، ولمرتين
على التوالي ، سنتَي 617 و619 م - قام الصقالبة ، بأمر من الأفار ، بمحاصرة مدينة
تيسالونيك التي كانت تقاوم ، وتقدّموا في هجوماتهم باتجاه ثيساليا وبيلوبونيزيا ،
ووصلوا حتى إلى كريت سنة 623 م ـ وعلى الرغم من عدة اتفاقات هدنة موقعة مع الأفار ، لم
يستطع هرقل منعهم من محاصرة القسطنطينية العام 626م .
ولكن أسوار المدينة ، وجيش
العاصمة القوي وقدرة البطريرك سيرج ، الذي علّق أيقونات العذراء على أبواب المدينة ،
منعت الأفار من الإستيلاء على القسطنطينية ، وبعد هذه الهزيمة ، ما عاد البيزنطيون
أبداً يقلقون من التهديد الذي كان يشكله هذا الشعب.
وبالمقابل ، تابع الصقالبة
توسعهم ، وكانوا يحتلون القسم الأكبر من البلقان في نهاية القرن السابع - وبالتوازي
مع ذلك - أطلق هرقل هجوماً كبيراً ضد الساسنيين إبتداء من سنة 622 م ، فحصد إنتصارات
مهمة بفضل خطة عسكرية جديدة ، تتمثل ب‘ستخدام العناصر الخفيفة المتنقلة على الخيل ، وتابع جيشه توغله في أراضي الفرس ، من 623 م إلى 628 م - فشكّلت هذه الحملة العسكرية
المتواصلة مؤشّراً إلى سلوك هجومي جريء ، وأثارت شجاعته إعجاب حتى أعدائه.
وحقّق إنتصاراً حاسماً في معركة نينوى ضد جيش الفرس سنة 627 م - بمساعدة الخزر ، وهم شعب من
الأتراك قطن شمال القوقاز.
وبعد الانتصار على الفرس ، أعاد هرقل الصليب المقدّس سنة
630 م ، وحمله هو نفسه إلى كنيسة القيامة التي أعيد بناؤها.
الإمبراطور هرقل يستعيد الصليب المقدس
إلى قبضة الإمبراطورية الرومانية
بسبب حوافز هرقل الدينية ، شنّ
الحرب المقدسة الأولى ، ولكن الأراضي التي أعاد الإستيلاء عليها إحتلّها العرب من
جديد منذ سنة 636 م ، وبعد موت هرقل سنة 641 م ، خلفه إبنه قسطنطين الثالث هرقل (641) م ،
إلاّ أنه توفي في السنة ذاتها تاركاً السلطة لأخيه هرقل الثاني هرقليوناس (641) م ، الذي إضطر للتخلي عن الحكم لصالح إين أخيه قسطنطين الثاني هرقل (641 – 668) م .
فتمكّن هذا الأخير من احتواء الإجتياح العربي ، ومن إنقاذ القسطنطينية ، وبغية تهدئة
النزاعات الدينية ، أصدر مرسوماً ، منع فيه أيّ نقاش يتعلق بالمسيح سنة 648 م.
وبعد أن إغتاله في حمّامه ضابط في البلاط، ترك العرش لإبنه قسطنطين الرابع (668 -685) م - الذي
وضع حداً نهائياً للإجتياح العربي في الشرق.
تقدم الجيوش العربية صوب أهدافها في أواخر عصر الإمبراطورية
الرومانية
وفي هذا الوقت ، كان البلغار قد أصبحوا
يشكلون تهديداً مهماً للامبراطورية ، فقد وصلوا إلى دلتا نهر الدانوب - بقيادة
أسباروتش في حوالي العام 670 م - وإحتلوا دوبرودجيا.
ولمّا كان قسطنطين الرابع (668 - 685) م - عاجزاً عن مهاجمتهم ، فاوضهم بشأن معاهدة تعترف بحدودهم ، وقَبِل أن يدفع لهم جزية ، وسرعان ما أقاموا دولة مستقلة كانت عاصمتها مدينة بليسكا.
الإمبراطور قسطنطين الرابع
وقد كان يهمّ خلفَ قسطنطين الرابع ،
وهو يوستينيانوس الثاني (685 – 695) م ، أن تستمر هذه السياسة حيال العرب ، فتمكّن من
الحصول على جزية ، وتخفيض للضرائب التي تتم جبايتها في قبرص وأرمينيا وجورجيا.
ولكن
الهزيمة التي مُني بها العام 692م - أطلقت مرحلة جديدة من عدم الإستقرار أعادت
التفوّق للعرب الذين إستعادوا أرمينيا وقليقيا.
وقد عاد يوستينيانوس الثاني إلى الحكم
(705 – 711) م ـ ولكنه لم يستطع الحؤول دون خسارة أفريقيا الشمالية ، فبدأ يلوح في
الأفق ، إحتمال تعرّض قسطنطينية للحصار ثانية : وهاجم العرب العاصمة البيزنطية للمرة
الثانية سنة 717 م ، لكن ليون الثالث (717 - 741) م ، الذي كان قد تسلّم الحكم لتوّه ، نجح
بصدّ القوات العربية البرية والبحرية ، فأمر الخليفة عمر الثاني جيشه بالإنسحاب.
أحدثت الوباءات والحروب على كل
الجبهات ، تغيرات عميقة ضمن الامبراطورية. فكانت التبعات الديموجورافية كبيرة جداً ،
وشهدت المدن تراجعاً كبيراً بعدد سكانها. تأثرت القسطنطينية بشدة ، ولم يوفّر إلا
القليل جداً من الأقاليم.
من ناحية أخرى - فقد أدّى تراجع عدد السكان إلى تقليص حجم المدن التي أصبحت
في غالبيتها قلاعاً.
ونتج عن هذا التراجع
الديموغرافي أيضاً ضعف في حركة التبادلات التجارية ، فأتت نتائج الحرب إقتصادية
بالدرجة الأولى ، وبما أن الإنفاقات العسكرية كانت مرتفعة للغاية ، وجد البيزنطيون
أنفسهم ينؤون تحت عبء تشغيل الدولة.
وكان لابدّ من الإنتظار حتى القرن الثامن
لتجد الإمبراطورية الموارد اللازمة للإستيلاء مجدداً على جزء من الأراضي المفقودة ،
فأضحت القوة الأولى في الشرق الأدنى.
إرسال تعليق