تاريخ مصر في عصور الإحتلال
ثانياً - مصر في العصر الروماني
49 - الإمبراطور دقلديانوس - Diocletian
284 م - 305 م
مقدمة
إن إسم (ديوقليشيان) ، أو (دقلديانوس) - هما إسمان لشخصية واحدة ، وهو الإسم الذي إختاره لنفسه - و قد عُرف دقلديانوس بمواهبه الفذة ومبادئه الأخلاقية المرنة ، حتى وصل إلى منصب حاكم مُستقل في بعض الولايات ، وقائداً لحرس القصر الإمبراطوري.
ولقد كانت الإمبراطورية الرومانية في الفترة التي تولى خلالها الحكم " دقلديانوس - Diocletia " ، قد إستعادت جانب كبير من نفوذها ، وهيمنتها التي كانت تتمتع بها إبان فترة بدايتها الأولى - وتحديداً - في فترات حكم الإمبراطور " أوغسطس قيصر " [ 27 ق.م - 14 م ] ، والإمبراطور " فسباسيان " [ 69 م - 79 م ] ، والإمبراطور " تراجان " [ 98 م - 117 م ] ، والإمبراطور " هادريان " [ 117م - 138م ] ، والإمبراطور " سبتيموس سفيروس " [ 160م ] ، حيث إستطاع الإمبراطور " أوريليان " - إستعادة هيبة الإمبراطورية الرومانية ، وهيمنتها على الجزء الأكبر من الشرق الذي كان قد إستقل عن الإمبراطورية منذ بدايات القرن الثالث الميلادي .
وكان الإمبراطور " دقلديانوس " مستقلاً بحكم الإمبراطورية الرومانية منذ بداية تسلمه مقاليد حكمها في سنة 284م ، ولكنه أشرك مكسيميان Maximian معه في الحكم في سنة 286م ، ليكون إمبراطور الشرق ، وتولى " دقلديانوس " - مهام حكم إمبراطورية الغرب .
ولد دقلديانوس - Diocletian في عام 245 م في مدينة سالوناsalona في دلماشيا باقليم ايليريا المطل على البحر الادرياتى شرق ايطاليا ، و كان أبواه فقيرين ، حيث أنه كان إبن معتوق دلماشي .
وقد إنضم إلى طبقة الفرسان ، ووصل إلى رتبة دوق ( أى قائد الفرسان ) في ولاية ميسيا ، ثم أصبح قائد قوات الحرس الامبراطورى الخاص ، وهى من الوظائف الخطيرة ، وتجلت كفاءته العسكرية في حرب فارس ، وبعد موت الامبراطور نوريانوس ( 283 – 284 م ) ، إعترف به بانه أجدر شخص بعرش الامبراطورية.
ولقد كان دقلديانوس رجلاً عبقرياًً أكثر دراية بشئون الحكم منه بالحرب.
وقد جلس على العرش بعد عهد من الفوضى ، أشد من الفوضى التي عَمٌت البلاد من أيام إبني جراكس إلى أيام الإمبراطور أنطونيوس ، ولكنه هدأ كل الأحزاب الثائرة المُتنافرة ، وصد الأعداء عن جميع الحدود، وبسط سلطان الحكومة وقواه ، وأقام حكمه على تأييد الدين ورضاء رجاله.
وكان ثالث ثلاثة تدين لهم الإمبراطوريّة بالشيء الكثير - أغسطس ، وأورليان ؛ ودقلديانوس.
وأما أغسطس فقد أنشأها ، وأما أورليان فقد أنقذها ، وأما دقلديانوس فقد نظمها تنظيماً جديداً.
كان إسم دقلديانوس الحقيقى ( ديوقليز ) ، وقد إختار إسم دقلديانوس بعد ان إعتلى العرش ، إتخذ دقلديانوس لنفسه تاجا (عصابة عريضة مرصعة بالآلئ ) ، وأثواباً من الحرير و الذهب ، و احذية مرصعة بالحجارة الكريمة ، وإبتعد عن أعين الناس في قصره ، و حتى على زائره ان يمروا بين صفين من الخصيان والحجاب وأمناء القصر ذوى الالقاب و الرتب ، و ان يركعوا و يقبلوا اطراف ثيابه.
وكان عصر " دقلديانوس" نقطة تحول في التاريخ القديم من عصر الامبراطورية الرومانية إلى العصر البيزنطي عندما إعتلى " دقلديانوس " عرش الأمبراطورية الرومانية في سنة 284 ميلادية حاول إدخال بعض الأصلاحات بإدماج ولايات وتقسيم ولايات أخرى ، وقسمت مصر التى كانت حتى ذلك الوقت ولاية واحده إلى ثلاثة أقسام يحكم كل قسم حاكم مدني - أما السلطة العسكرية - فقد وضعت في يد قائد يسمي دوق مصر.
الجلوس على عرش الإمبراطورية الرومانية
ديناريوس الإمبراطور دقلديانوس
ولقد كان جلوس " دقلديانوس " - على عرش الإمبراطورية الرومانية في سنة 284 م ، بتأييد من عموم الجيش ، وأيضاً بتزكية من مجلس شيوخ روما .
أهم قرارات دقلديانوس بعد إرتقاء عرش الإمبراطورية
(1) - إختيار نيقوميديا كعاصمة للإمبراطورية الرومانية
كان أول قراراته الحاسمة قراراً كشف عن المستور من أحوال الدولة وعن أفول نجم رومة ، فقد هجر المدينة ، ولم يتخذها عاصمة لمُلكه ، وإتخذ مقامه في نيقوميديا ـ وهي مدينة في آسية الصغرى ، تبعد عن بيزنطية بقليل من الأميال جهة الجنوب ، وظل مجلس الشيوخ يعقد جلساته في روما كما كان يعقدها قبل .
قصر الإمبراطور دقلديانوس في نيقوميديا
2 - إعادة الحياة في الإمبراطورية إلى صورتها الطبيعية
لقد ظل القناصل يقومون بمراسمهم المألوفة خلال فترة حكم الإمبراطور " دقلديانوس " ، وظلت الألعاب الصاخبة ، تدور كسابق عهدها والشوارع تموج بمن فيها من الناس على إختلاف أجناسهم ؛ ولكن السلطة والقيادة قد إنتقلتا من هذه المدينة التي أضحت مركز الإنحلال الإقتصادي والأخلاقي.
وكان الذي دفع دقلديانوس إلى هذا العمل هو الضرورة الحربية ، ذلك أنه كان لابد من الدفاع عن أوروبا وآسيا ، ولم يكن الدفاع عنهما مُستطاعاً من مدينة في جنوب جبال الألب ، وتبعد عن تلك الجبال هذا البعد الشاسع.
3 - إعادة توزيع مهام الحكم والمسئولية في الإمبراطورية
ولهذه الأسباب ، أشرك معه في الحكم قائداً مُحنكاً يدعى مكسيميان (286) م ، وعهد إليه الدفاع عن الغرب ؛ ولم يتخذ مكسيميان روما عاصمة له بل إتخذ بدلاً منها مدينة ميلان. وبعد ست سنين من ذلك العام ، إتخذ كلا الأغسطسين قيصراً ، لكي يساعده في أعباء الحكم ، وليكون خليفة له من بعده ، فاختار دبوقليشان جليريوس Galerius، وإتخذ هذا عاصمته مدينة سرميوم Sirmium ، وهي متروفيكا ، على ضفاف نهر الساف Save، وعَهَد إليه حكم ولايات الدانوب ؛ وعين مكسميان قنسطنطيوس طلورس Constantius Chlorus خلفاً له ، ثم إتخذ هذا حاضرته مدينة أوغسطا ترفرورم Augusta Trevirorum تريف Treves ،وتعهد كل أغسطس أن يعتزل الملك بعد عشرين عاماً ليخلفه قيصره ؛ وكان من حق هذا القيصر ، أن يعين هو الآخر "قيصراً" يعاونه ويخلفه ، وزوج كل أغسطس إبنته "بقيصره" ، فأضاف بذلك رابطة الدم إلى رابطة القانون.
قصر تمثال يُجسد مدى
عُمق الصلة بين الإمبراطور دقلديانوس والإمبراطور مكسيميان
وكان دقلديانوس يرجو بذلك أن يسد الطريق على حروب الوراثة ، وأن يعيد إلى الحكومة إستقرارها ودوامها ، وسلطانها ، وأن تكون الإمبراطوريّة متأهبة لملاقاة الأخطار في أربع نقاط هامة ، سواء أكانت هذه الأخطار ناشئة من الثورات الداخلية ، أم من الغزو الخارجي.
ولقد كان تنظيماً باهراً ، جمع كل الفضائل إذا استثنينا فضيلتي الوحدة والحرية.
فقد إنقسمت الملكية ، ولكنها كانت ملكية مطلقة ، وكان كل قانون يصدره كل حاكم من الحكام الأربعة يصدر بأسمائهم جميعاً ، ويطبق في أنحاء الدولة، وكان قرار الحكام يصبح قانوناً ساعة صدوره ، من غير حاجة إلى تصديق مجلس الشيوخ في روما.
وكان الحكام هم الذين يعينون جميع موظفي الدولة ، ومدت أداة بيروقراطية ضخمة فروعها في جميع أنحاء الدولة.
وأراد دقلديانوس أن يزيد من قوة هذا النظم فحول عبادة عبقرية الإمبراطور إلى عبادة شخصه بوصفه تجسيداً لجوبتر ، وتواضع لكسمليان فرضي أن يكون هو هرقول ؛ وهكذا هبطت الحكمة ، والقوة من السماء لتعيدا النظام والسلم إلى الأرض ، واتخذ دقلديانوس لنفسه تاجاً - عصّابة عريضة مرصعة باللآلئ - وأثواباً من الحرير والذهب ؛ وأحذية مرصعة بالحجارة الكريمة ، وإبتعد عن أعين الناس في قصره ، وحتم على زائريه أن يمروا بين صفين من خصيان التشريفات والحجاب وأمناء القصر ذوي الألقاب والرتب ، وأن يركعوا ويقبلوا أطراف ثيابه.
ولقد كان في الحق رجلاً يعرف العالم حق المعرفة ، وما من شك في أنه كان يضحك في السر من هذه الخرافات والأشكال ، ولكن عرشه كان يعوزه ما يخلعه الزمان عليه من شرعية، وكان يأمل أن يدعمه وأن يقمع إضطراب العامة وعصيان الجيش بأن يخلع على نفسه مظاهر الألوهية والرهبة.
وفي ذلك يقول أورليوس فكتور : " وإتخذ لنفسه لقب السيد Dominus، ولكنه كان يسير في الناس سيرة الأب " ، وكان معنى إقامة هذا الطراز الشرقي من الحكم الاستبدادي على يد إبن عبد رقيق ، وهذا الجمع بين الإله والملك في شخص واحد ، كان معنى هذا عجز الأنظمة الجمهورية في العهود القديمة ، والتخلي عن ثمار معركة مارثون ، والعودة إلى مظاهر بلاط الملوك الأخمينيين ، والمصريين ، والبطالمة ، والبارثيين ، والملوك الساسانيين ، وإلى النظريات التي كان يقوم عليها حكم هؤلاء الملوك كما عاد الاسكندر إليها من قبل.
ومن هذه الملكية الشرقية الصبغة جاء نظام الملكيات البيزنطية والأوربية ، وهو النظام الذي طل قائماً إلى أيام الثورة الفرنسية ، ولم يبقَ بعد هذا إلا أن يتحالف الملك الشرقي في عاصمة شرقية مع دين شرقي ، ولقد بدأت الخواص البيزنطية في الظهور أيام دقلديانوس.
تحالف دقلديانوس وجاليريوس ضد المسيحية
فيما يتعلق بسياسة الإمبراطور " دقلديانوس " تجاه المسيحيين ، والكنيسة المسيحية بشكل عام ، فقد كانت سياسته في البداية سياسة تسامح ، فمنح للمسيحيين حرية ممارسة طقوسهم وشعائرهم في ربوع الإمبراطورية ، دون وضع أي شكل من أشكال التقييد على حريتهم في ممارسة عقيدتهم.
ولكن ، لم تلبث الأوضاع في إستقرارها كثيراً ، حتى تبدٌلت إلى الأسوأ فيما يتعلق بإستمرار هذه السياسة ، حيث كان هناك في داخل البلاط الإمبراطوري من لم تًرُق إليه تلك السياسة من التسامح والليٌن مع المسيحيين من قٍبل الإمبراطور " دقلديانوس " ، وكان هذا الإنسان الشرير هو "جاليريوسGalerius - "زوج إبنة الإمبراطور " دقلديانوس " ، الذي قاده فِكره الشرير في أن يفتعل كارثة في داخل قصر الإمبراطور ، تتمثل في إشعال النيران فيه ، ثم ألصق التهمة بالمسيحيين ، فما كان على الإمبراطور ، إلا أن بادر بإعلان منشوره الإضطهادي الشهير في سنة 284 م ، الذي كان منشوراً إضطهاد عام ، يشمل جميع الكنائس المسيحية في ربوع الإمبراطورية الرومانية ، ومنذ ذلك الوقت ذاق المسيحيون كأس الإستشهاد ، وإصطبغوا بها ثانيةً ، مثل زوئي زوجة السَّجان ، التي كانت تعتني بالشُهداء الذين تحت حراسة زوجها ، ثم تنصرت ، فعُلِّقت على شجرة تشتعِل بالنار في جذعها ، ثم أُلقِيت في نهر ، وقد عُلِّق حجر كبير في عُنُقها.
صورة تعكس جانب من أشكال الإضطهاد التي كان يتبعها الأباطرة الرومان ضد
المسيحيين وهو إلقاءهم في جُب الأسود لتصبح أجسادهم فريسة ينهشها الحيوانات
المفترسة في مشهد وحشي لايعرف الرحمة
ومما يُذكر من مآسي الصورة الإضطهادية الأليمة في زمن الإمبراطور " دقلديانوس " حادث إستشهاد الكتيبة الطيبية العسكرية في عام 286 م ، وكان كل أفرادها من أبناء الأقصر ، وذلك لأنهم رفضوا الإذعان لأمر الإمبراطور مكسيميان بتقديم الذبائِح للأوثان والنطق بالقَسَمْ على إنهاء المسيحية في بلاد الغال - التي أرسل إليها أفراد هذه الكتيبة ، وكان ذلك في 22 سبتمبر عام 286 م.
الشهيد العظيم مارمينا المعروف بالعجائبي
أحد شهداء إضطهاد عصر دقلديانوس
إنضمام مكسيميان لدقلديانوس في إضطهاد الكنيسة
الإمبراطور مكسيميان
[ إنظر تاريخه كاملاً في الفصل التالي في موقعنا ]
مما يُذكر من مآسي الصورة الإضطهادية الأليمة في زمن الإمبراطور " دقلديانوس " حادث إستشهاد الكتيبة الطيبية العسكرية في عام 286 م ، وكان كل أفرادها من أبناء الأقصر ، وذلك لأنهم رفضوا الإذعان لأمر الإمبراطور مكسيميان بتقديم الذبائِح للأوثان والنطق بالقَسَمْ على إنهاء المسيحية في بلاد الغال - التي أرسل إليها أفراد هذه الكتيبة - وكان ذلك في 22 سبتمبر عام 286 م.
في يوم 25 نوڤمبر في عام 311 م - أمر الإمبراطور مكسيميان الذي كان يملُك على الشرق ، بإضطهاد الكنيسة ـ وإعتبار كل مسيحي ، خارج عن القانون ـ وقد إستُشهِد البابا القديس البابا بطرس البطريرك السابِع عشر ـ في تلك الفترة من إضطهاد الإمبراطور مكسيميان في سنة 305 م.
البابا بطرس خاتم الشهداء
أحد شهداء إضطهاد عصر دقلديانوس
ويقول يوسابيوس المؤرِخ الكنسي - ما مضمونه - أنَّ في مصر كان يوجد جمع غفير لا يُحصى من المؤمنين مع زوجاتِهِم وأطفالِهِم ممن عانوا من كل أنواع العذابات والموت من أجل الإيمان.
الشهيد العظيم مارجورجيوس والمعروف
بإسم مار جرجس الروماني "
في الكنائس الشرقية ، و" سان جورج " في
الكنائس الغربيةوهو من أشهر شهداء عصر إضطهاد الإمبراطور دقلديانوس ومكسيميان
وفي عصر دقلديانوس - قام أريانوس والي أنصِنا بتعذيب عدد كبير من المسيحيين في بلاد الصعيد منهم : " الشهيدة دُولاجي الأُم وأبنائها ، والقديس أبو قلتة ، والأنبا بضابا الأسقف ، وغيرهم آلاف آلاف.
الشهيدة العظيمة القديسة
دميانة والأربعين عذراء
من شهيدات إضطهاد الإمبراطور دقلديانوس والإمبراطور مكسيميان
الشهيدة العظيمة القديسة بربارة من شهيدات إضطهاد الإمبراطور دقلديانوس والإمبراطور مكسيميان
ويذكُر التاريخ أنَّ هذا الوالي قد تنصَّر إثر معجزة باهرة حدثت له آمن على أثرها بالمسيح ، وأرسل إلى الإمبراطور دقلديانوس رسالة يُجاهِر فيها بإيمانه ويندم على كل الإضطهاد الذي أوقعه على المسيحيين ، فأمر الإمبراطور بقتله.
ويقول المُدافِع والعلاَّمة ترتيليانوس عن تقييمه لعدد شُهداء مصر من المسيحيين: " لو أنَّ شهداء العالم كله وُضِعوا في كفة ميزان ، وشهداء مصر في الكفة الأخرى، لرَجٌحت كَفٌة المصريين " .
هذا - ويُقدَّر عدد شهداء الأقباط بحوالي ثمانمائة ألف شخص.
وعبَّر أيضًا العلاَّمة ترتليانوس عن قوة المسيحية ونقاوة فضائِلها ومدى انتشارها بلا سَنَد من قوة زمنية ، وهو الذي عاصر الإضطهادات دون أن يرى نهايِتها – بقوله " دِماء الشهداء بِذار الكنيسة ".
لقد كان إمتناع المسيحي عن بعض ممارسات الحياة الوثنية كفيلًا بكشف أمره وهكذا كان يُمات كل ساعة ، وهكذا كانت الشهادة كل النهار ، كل خطوة تنطوي على اعتراف حَسَنْ وشهادة أمينة لله ، لذلك كان سيف الموت مُسلَّط دائِمًا على رِقاب المسيحيين - بحسب تعبير العلاَّمة ترتليانوس - لأنه لا يجوز للمؤمن أن يشترِك مع الوثنيين في الملبس والمأكل أو في أي مظهر ، علاوة على امتناع المؤمنين عن بعض الحِرَف التي لها صِلة بعبادة الأصنام ، وتركهم لها فجأة كان يُعرِّضهم للمحاكمة العامة .
وقد أورد كلٍ من المؤرخ يوسابيوس القيصري في كتابه : [ تاريخ الكنيسة ] ، والعلاَّمة ترتليانوس ، والشهيد يوستينوس الشهيد في دفاعياته ، كيف كان المسيحيون يُستبعدون من المناصِب العامة ، ومع ذلك كانوا يُحبون الإمبراطورية ويُصلُّون من أجل العدل والسلام ، ولكنهم لا يعبدون الأباطرة ، مُظهرين غيرة شديدة نحو الإيمان.
القديس مارتادرس الشطبي
أحد شهداء إضطهاد عصر دقلديانوس
وقد إعتُبِرَت المسيحية أبشع جريمة يموت من أجلها كل من دُعِيَ عليه اسم المسيح، فضلًا على أنَّ الدُهماء والغوغاء ، إضطهدوا الكنيسة أشد إضطهاد ، وها التاريخ يُعيد نفسه ، فأحيانًا بالإقتحام والسلب ، وأحيانًا بالتحطيم والحرق والسطو ، كما حدث في زمان البابا ديونيسيوس الأسكندري.
أخيرًا لابُد أن نُشير إلى أنَّ تلك الإضطهادات ، هي الحرب التي صنعها الوحش مع الخروف الجالِسة عليه إمرأة سَكْرَى من دم القديسين ، ودم شُهداء يسوع ( رؤ 17: 3 ).
نهاية زمن الإضطهاد
يذكُر التقليد الكنسي أنه في سنة 313 م ، وفي مدينة ميلانو صدر مرسوم للتسامُح مع المسيحيين ، يُعرف بإسم : " مرسوم ميلان " ، أُعطِيت به الحرية الدينية للمسيحيين ، وكان هذا على يد الإمبراطور قسطنطين المُحِب للإله ، الذي يُعتبر آخر الأباطِرة الوثنيين وأول المسيحيين.
لقد تفاقم الإحساس بالمرارة من الاِضطهاد الطويل الذي عانت منه الكنيسة ، وقد كان ترتليان والشهيد يوستين ، والمُدافِع لكتانتيوس أول من دافع عن حرية العقيدة ، وواجهوا الوثنيين بأنَّ (الدين أساسًا هو مسألة إرادة حرة وأنه ينتشر بالإقناع لا بالفرض، بالتعليم لا بالقوة الجبرية .
إرسال تعليق