[ بطاركة القرن الثالث عشر الميلادي ]
78 - البابا يؤانس السابع - John VII
مقدمة
الجلوس على الكاتدراء المرقسي
كما ورد في مرجع تاريخي
آخر ما يلي :
فترات الضيق والإضطهاد المعاصرة
فترة الحكم الأولى
لقد حكم العادل كتبغا البلاد نحو سنتين ، ثم إضطر في عام (696 هـ - 1296 م) للفرار إلى دمشق والتنحي بعدما حاول الأمراء ، وعلى رأسهم نائب السلطنة حسام الدين لاجين ، قتله في دهليزه أثناء عودته إلى مصر من الشام ، ونُصب لاجين سلطاناً وأبعد الناصر محمد إلى الكرك قائلاً له : " لو علمت أنهم يخلوك سلطاناً والله تركت الملك لك ، لكنهم لا يخلونه لك ، أنا مملوكك ومملوك والدك ، أحفظ لك الملك ، وأنت الآن تروح إلى الكرك إلى أن تترعرع وترتجل (أى تصبح رجلاً) ، وتتخرج وتجرب الأمور وتعود إلى ملكك " ، مُشترطاً على الناصر بأن يوليه دمشق عند عودته وإشترط الناصر عليه أن لا يقتله فتعاهدا ، وغادر الناصر مصر إلى الكرك.
وفي عام 698 هـ / 1299 م قُتل لاجين ونائب سلطنته منكوتمر ، بعد حكم دام نحو سنتين وشهرين.
بعد مصرع لاجين ، إجتمع الأمراء ، ومعهم الأمير بيبرس الجاشنكير ، وإتفقوا على إعادة الناصر محمد من الكرك وتنصيبه من جديد سلطاناً على البلاد ومعه الأمير طغجي نائباً للسلطنة ، إلا أن الأمير سيف الدين كرجي (قاتل لاجين) عاد بعد يوم وأعترض على إحضار الناصر محمد قائلاً للأمراء : " يا أمراء أنا الذي قتلت السلطان لاجين وأخذت ثأر أستاذي (أي الأشرف خليل) ، والملك الناصر صغير ما يصلح ، ولا يكون السلطان إلا هذا - وأشار لطغجي - وأنا أكون نائبه ، ومن خالف فدونه " ، فأيدته المماليك والأمراء الأشرفيه (البرجية) ، بينما قرر الأمراء الذين يؤيدون إعادة الناصر انتظار عودة الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح إلى مصر .
في غضون ذلك كان أميران قد قد وصلا إلى الكرك وأخبرا الملك الناصر وأمه بأنه قد تقرر إعادة الناصر إلى منصب السلطنة ، وتبع ذلك وصول البريد من مصر يستحث الناصر على الحضور ، ففرح الناصر وأمه ، وقررا المسير إلى مصر.
في 4 جمادى الأولى (698 هـ) دخل الناصر القاهرة ، وكان عمره حينذاك أربعة عشر عاماً، واحتشد الناس لإستقباله في فرحة عارمة واحتفلوا بعودته. جددت البيعة للناصر فصار سلطان البلاد للمرة الثانية ومعه الأمير سيف الدين سلار نائباً للسلطنة ، و بيبرس الجاشنكير أستاداراً.
كما حدث للناصر في سلطنته الأولى تكرر في سلطنته الثانية. أصبح دمية في أيدي سلار وبيبرس الجاشنكير ، اللذان صارا الحاكمان الفعليان للبلاد. تزعم بيبرس الجاشنكير ، وكان شركسي الأصل ، المماليك البرجية. وتزعم سلار، وكان أويراتي من المغول الوافدية ، المماليك الصالحية والمماليك المنصورية.
أما المماليك الأشرفية - فقد تزعمها الأمير برلغي ، كان بيبرس الجاشنكير بمماليكه البرجية أقوى الأطراف ، وراح سلار ، وبرلغي يتنافسان معه على المفاسد ، وجمع الأموال عن طريق فرض مكوس كانت تعرف بإسم " الحمايات " ، وهي إتاوة أو رشوة كان الأمراء يفرضونها على الأفراد والتجار في مقابل حمايتهم ، وتقديم العون لهم في منازعاتهم.
أهم الأحداث المعاصرة للحكم
وقائع معركة الخازندار ضد مغول بلاد فارس
في سنة 699 هـ / 1299 م وردت إلى القاهرة أنباء عن زحف مغولي على الشام يقوده محمود غازان إلخان مغول فارس (الإلخانات) ، فتوجه الناصر إليها. وفي 8 ربيع الأول ، إصطدم جيش الناصر بجيش غازان المتحالف مع مملكة أرمينيا الصغرى عند حمص في معركة عرفت بإسم معركة وادى الخزندار - أو معركة حمص الثالثة - إنهزم جنود الناصر ، وفروا مما أحزنه وأبكاه ، ودخل المغول دمشق ، وسيطروا على الشام ، وخطب لغازان على منبر دمشق ، ثم غادر غازان دمشق ، بعد أن أقام الأمير قبجق نائباً عليها تحت حماية نائبه قطلو شاه.
معركة الخازندار
في أعقاب ذلك - عاد جنود الناصر إلى مصر ومعهم عوام من الشام في أسوأ حال ،وكان من ضمن الفارين إلى مصر السلطان المخلوع العادل كتبغا الذي عينه السلطان لاجين نائباً على قلعة صرخد ، دخل السلطان الناصر قلعة الجبل في 12 ربيع الأول ، وقد أصابه حزن بالغ ، وتألم ألماً شديداً لهذه الهزيمة الشنعاء ولكنه بدأ ينظم الجيش ويجهز لأخذ الثأر من المغول ، وخرج قبجق من دمشق متوجهاً إلى مصر، فإستولى الأمير أرجواش على دمشق ، وأعاد الخطبة بإسم الملك الناصر بعد إنقطاعها لمدة مائة يوم.
وقائع معركة أرواد ضد الصليبيين
في أثناء فترة إعداد الجيش وصل إلى القاهرة وفد من غازان بطلب الصلح ووافق الناصر - إلا أن طلب غازان للصلح كان - كما يبدو - مجرد مناورة منه لكسب الوقت للتعرف على استعدادات وتحركات الملك الناصر.
بعد أن حرر الأشرف خليل ساحل الشام في عام 1291 م ، فر بعض فرسان المعبد - الداوية - وبعض الصليبيين إلى جزيرة أرواد القريبة من طرطوس ، فتحولت الجزيرة إلى قاعدة صليبية لشن الهجمات على سفن أسطول المسلمين ، وبؤرة تربص بطرطوس وساحل الشام ، في أواخر عام 1300م ـ طلب غازان المغولي من أرمن مملكة أرمينية الصغري ، وصليبيي جزيرة قبرص القيام بعملية مشتركة ضد المسلمين ، فقام الصليبيون في قبرص بشحن مقاتلين من فرسان المعبد ، وقوات يقودها " آمالريك أوف لوزيان - Amalric of Lusigan) - " إبن ملك قبرص - الأمير هيو الثالث إلى أرواد.
وصلت ألانباء إلى القاهرة - فقرر الناصر بناء شواني ، لغزو الجزيرة.
وفي سبتمبر 1302 م - أبحر الأمير كهرداش من مصر إلى الشام وحاصر أرواد وفتك بالحامية الصليبية وأسر عدداً من فرسان المعبد وفر غيرهم إلى قبرص.
في يوم 26 سبتمبر 1302 إستسلمت أرواد التي كانت آخر جيب للصليبيين في الشام ودقت بشائر النصر في القاهرة ، وكان يوم دق البشائر هو نفس اليوم الذي عاد فيه الأمير بكتاش منتصراً على أرمن قليقية ، فالأمير بكتاش كان قد خرج ، في عدة من الأمراء من بينهم كتبغا ، إلى مملكة قليقية الأرمنية بسبب تحالفها مع غازان ، إنتشرت قوات بكتاش في أرجاء كليكليا ، وحرقت المحاصيل ، وأسرت أعداداً من الأرمن وحاصرت عاصمتهم سيس ، وعاد إلى القاهرة غانماً - بينما كانت بشائر لتحرير أرواد تدق.
كان طرد الصليبيين من أرواد وتوجيه ضربة لمملكة جليقية إنتصاراً هاماً للمسلمين على فكرة التحالف الصليبي - الأرميني - المغولي التي كان الصليبيون وأرمن قليقية يسعون بكل كد وجهد لتحقيقه.
في تلك الفترة ذكر هيتوم الأرميني في كتابه مخاطباً بابا الكاثوليك عن أهمية التعاون مع المغول قائلاً : " هذا هو الوقت المناسب لإستعادة الأرض المقدسة بمساعدة المغول ، ومن الممكن إحتلال مصر بدون مصاعب أو مخاطر ، ويشرح في فقرة أخرى : " يجب طلب شيئين من ملك المغول : أولاً أن لايسمح بمرور أى شيءعبر مناطقه إلى أراضي الأعداء ، و(ثانياً) أن يرسل رجاله ورسله لإشعال حرب في أراضى ملاطية ، ويدمر ويخرب منطقة حلب.
وعندها نقوم نحن الحجاج وقوات قبرص وأرمينيا بغزو أراضي الأعداء بحراً وبراً. وعلى قواتنا المسيحية أن تحصن جزيرة أرواد إذ أنها تحتل موقعاً رائعاً لضرب سفن الأعداء وإحداث أضراراً جسيمة بهم " .
إضطرابات وإضطهاد للأقباط في داخل مصر
شهدت البلاد في فترة حكم الناصر محمد الثانية اضطرابات وقلاقل كان من أخطرها " وقعة " أهل الذمة " ، ومشاغبات بعض العربان في صعيد مصر ، حيث حدثت موجة من الاضطهاد ضد الأقباط ، وتم هدم وإغلاق العديد من الكنائس في القاهرة ، وأجبر مسيحيي مصر على مسح عمامتهم باللون الأزرق ليتم تمييزهم عن بقية السكان.
بدأت " وقعة أهل الذمة " في شهر رجب 700 هـ / 1301 م عندما توقف وزير ملك المغرب بالقاهرة وهو في طريقه إلى مِكة للحج ، هال الوزير المغربي رؤية أهل الذمة من الأقباط واليهود يعيشون في ترف ويزينون خيولهم بالحلي الفاخرة في القاهرة، فبكى واشتكى للأميرين سلار وبيبرس الجاشنكير وأثر على نفوس الأمراء ببكائه وطول كلامه.
فإجتمع القضاة ببطرك الأقباط وأكابر القساوسة ورؤساء اليهود ، وتقرر ألا يستخدم أحد منهم بديوان السلطان ، ولا بدواوين الأمراء ، وألا يركب المسيحيون واليهود والسامرة الخيول والبغال ، وأن يلتزموا بعدم إرتداء العمم البيض في مصر والشام ، ثم تطور الأمر حين امتدت أيدي العامة إلى كنائس الأقباط بفتاوي تحريضية لبعض الشيوخ.
في أعقاب ذلك - أغلقت الكنائس نحو عام في مصر ، إلى أن توسط ملك نيقيا البيزنطي ، وبعض الملوك ففتحت الكنائس ، وقد لعبت الحروب الصليبية دوراً أساسياً في إشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين المحليين في مصر والشام .
صراع دموي بين طائفتين من أهالي مصر
في ذات الوقت وقع في البحيرة صدام دموي بين طائفتين عربيتين هما طائفتا "جابر" و"برديس" ، فخرج إليهما الأمير بيبرس الدوادار ، في عشرين أميراً وطاردهما وإستدعى شيوخهما ، ووفق بينهما - أما في الصعيد - فقد إنتهز بعض العربان فرصة إنشغال الدولة في حربها مع غازان ، فإمتنعوا عن دفع الخراج ، فسير إليهم الوزير سنقر الأعسر الذي قتل عدد من المتمردين ، وأخذ الإبل والأسلحة وكل خيول الصعيد ، إلا أن ذلك لم يؤد إلى الاستقرار بالصعيد حيث إستخف العربان بالولاة ، وإمتنعوا مرة آخرى عن دفع الخراج ، وقاموا بفرض إتاوات على التجار في أسيوط ومنفلوط، وتسموا بأسماء الأمراء ، واقاموا عليهم كبيرين أحدهما سموه بيبرس والآخر سلار، وأطلقوا سراح المساجين ، فإستفتى الأمراء الفقهاء والشيوخ في جواز قتالهم، فأفتوهم بجواز ذلك ، فقام الامراء بمنع السفر إلى الصعيد ، واشاعوا أنهم مسافرون إلى الشام ثم حاصروا الصعيد من عدة جهات وأنقضوا على المتمردين وقضوا عليهم .
وقائع حرب الشحاقبة
في رجب عام 702 هـ / 1303 م قدم البريد إلى القاهرة من حلب بأن غازان على وشك التحرك إلى الشام ، فخرج إلى دمشق الأمير بيبرس الجاشنكير على رأس ثلاثة آلاف من الأجناد ، أرسل غازان قائده ونائبه قطلوشاه إلى الشام بجيش قوامه 80 ألف مقاتلاً ، ولما عرف قطلوشاه أن الناصر لم يخرج من مصر بعد ، وأن ليس بالشام غير العسكر الشامي ، توجه تواٌ إلى حماة .
في يوم السبت الموافق 2 رمضان 702 هـ/ 20 أبريل 1303 م ، وصل الناصر محمد إلى عقبة شجورا وبينما الأمراء يستقبلونه ويسلمون عليه وصل خبر بأن جيش قطلوشاه قد أقدم ، فإرتدى الجنود السلاح ، وأتفق الأمراء على محاربته بشقحب تحت جبل غباغب ، كان جيش الناصر يضم نحو 200 ألف مقاتلاً.
ثم حدث أن إصطدم الجيشان ، وظن البعض أن جيش المسلمين قد هزم بعدأن تجاوز بعض المغول خط ميمنة المسلمين ، فإنسحب قطلوشاه إلى جبل قريب ، وصعد عليه وفي ظنه أنه قد إنتصر وأن قواته تطارد المسلمين ، ولكنه أبصر ميسرة السلطان الناصر فتحير ، فلما سأل أحد الأسرى المسلمين وعلم منه أنه من أمراء مصر ، أدرك أن السلطان الناصر موجود بجيش مصر في ساحة القتال .
في اليوم الثاني نزل قطلوشاه بمقاتليه ، فتصدت له المماليك السلطانية وأجبرته على التراجع إلى الجبل ، وعلم المسلمون أن قوات قطلوشاه تعاني من العطش ، فلما نزل المغول في فجر اليوم الثالث وساروا نحو النهر لم يتعرض لهم المسلمون ، ثم حصدوهم عندما بلغوا النهر وقاموا بمطاردة الفارين منهم ، لم يعبر الفرات مع قطلوشاه من جنوده إلا عدد قليل. أرسلت بشائر النصر إلى مصر ففرح الناس .
في 23 شوال عاد الناصر إلى القاهرة عاصمة ملكه التي تزينت له من باب النصر ومعه الأسرى ورءوس المغول ، ثم زار قبر أبيه الملك المنصور ، وصعد إلي قلعة الجبل على الشقق الحرير ، وأنعم على الأمراء ، وأمر بإحضار سائر مغاني العرب من كل أنحاء مصر ، وأقيمت إحتفالات كبرى في البلاد .
في سنة 703 هـ / 1304 م سير الناصر جنوده من القاهرة إلى كليكيا الأرمنية تحت قيادة الأمير بدر الدين بكتاش إنضمت إليهم قوات في الشام، فهاجموا الأرمن وحرقوا مزارعهم وأسروا منهم أعداداً ، ثم حاصروا قلعة تل حمدون التي تحصن فيها الأرمن وسلمت إليهم بالأمان .
الحياة الشخصية والعائلية للملك الناصرفي نفس السنة التي إنتهي فيها من حرب الشحاقبة ، قام السلطان الناصر ، بنقل رفات أمه من التربة المجاورة للمشهد النفيسي إلى التربة الناصرية بمدرسته التي أكمل بنائها ،وأضاف مئذنتها في سنة 1303م ، وأنجبت له زوجته أردكين الأشرفية ولداً سماه علياً، ولقبه بالملك المنصور ، ووفد إلى القاهرة نحو مائتي فارس مغولي بنسائهم وأولادهم ، وكان من ضمنهم عدة من أقارب غازان وأم الأمير سلار. فاكرمهم الناصر وأنعم عليهم ببيوت للإقامة وإقطاعات. ثم قدم رسل المغول بكتاب وهدية من محمد خدابنده أولجايتو الذي جلس على عرش المغول بعد وفاة أخيه محمود غازان ، وخاطب الناصر بالأخوة وطلب الصلح وإخماد الفتن وقال في آخر كلامه : " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه " ، فوافق الناصر وأكرم رسله وأرسل إليه هديةفي سنة 780 هـ / 1309 م أحس الناصر أنه غير قادر على مواجهة سيطرة سلار وبيبرس الجاشنكير عليه وعلى أمور الدولة، فاخبرهما بأنه ذاهب إلى مكة للحج. ولكنه بدلاً من الذهاب إلى مكة ذهب إلى الكرك وبقي هناك ، لم يقصد الناصر برحيله إلى الكرك التنازل عن العرش ، لكنه كان يدرك انه لن يتمكن من الحكم كما يحلو له مادام بيبرس وسلار يسيطران على حياته وعلى شئون الدولة. كما كان يدرك أنهما آجلاً أو عاجلاً سيسعيان للتخلص منه إما بالخلع أو بالقتل. فكانت خطته أن يبتعد عن مصر وعن عيونهما لبعض الوقت فيتمكن بذلك من الاتصال، بحرية وبدون مراقبة، بأمراء الشام ومؤيديه من أمراء مصر حتى يتمكن بمساعدتهم من التخلص منهما وفرض سيطرته على نفسه وعلى مملكته ، كانت حسبة الناصر صحيحة وتمكن من تنفيذ خطته بنجاح فيما بعد.ولقد كانت مدة الملك الناصر في السلطنة الثانية ، عشر سنين وأياماً .
السلطان العادل سلامش
لقد
بدأ السلطان قلاوون ولايته بمحاربة الخارجين عليه كالأمير سنقر الأشقر ، حيث بعث إليه حيث هو بالشام جيشاً
بقيادة الأمير سنجر، وظلا في سجال من القتال حتى توالت الأنباء بقرب عودة التتار
فكتب السلطان المنصور إلى سنقر " إن التتار قد أقبلوا ، والمصلحة أن نتفق عليهم
، لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم ، وإذا ملكوا البلاد لم يدعوا منا أحداً " ،
فكتب إليه سنقر بالسمع والطاعة.
في يوم السابع والعشرين من جمادى الآخرة من عام680 هـ ، وصل الخبر بقدوممنكوتمر بن هولاكو بجيوشه إلى عنتاب، فخرج إليه السلطان وعسكر في حمص ، وإستقدم سنقر الأشقر وقواته ، ودخل التتار ، حماة فخربوا فيها ، ثم وصلوا إلى حمص ، حيث التقى الجمعان في حمص بتاريخ 14 من رجب سنة 680 هـ - والموافق يوم 28 أكتوبر 1281م ، وقد اضطربت ميمنة المسلمين في البداية ، ثم الميسرة، وثبت السلطان ، ومن معه ثباتاً عظيماً ، ماحمل الأمراء والقادة على الإنقضاض على التتار وكسروهم كسرة عظيمة ، وجرحوا ملكهم ، وقتلوا منهم الكثير ، وكانت مقتلة تفوق الوصف ، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين إنتصاراً مظفراً ، ودخل السلطان المنصور دمشق في أبهة النصر في 22 من رجب سنة 680هـ (5 نوفمبر 1281م) ، وبين يديه الأسرى ، وحاملين معهم رؤوس قتلى المغول على الرماح.
تعقب فلول الصليبيين في لبنان والقضاء عليهم
ثم عقد السلطان المنصور العزم على إستكمال رحلة الجهاد ضد الصليبيين التي بدأها أسلافه ، ففي سنة 684 هــ ، فتح قلعة المرقب ، وبانياس وفي سنة 688 هـ - فتح طرابلس في لبنان بعد حصارها واستعمال المنجنيق وغنم جيشه غنائم عظيمة.
وقد عزم السلطان على المسير إلى عكا إلا أن الأجل لم يمهله ، فكان شرف فتحها لولده الذي خلفه ، السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون .
وهو الثامن سلاطين المماليك البحرية .
ومن أشهر إنجازاته - فتح عكا ،والقضاء على آخر معاقل الصليبيين في الشام، بعد أن استمر وجودهم فيها مائة وستة وتسعين سنة.
في عام 1290 م - تسبب الأشرف خليل في إصدار والده قلاوون لقرار بإعتقال ونفي سلامش وخضر إبنا السلطان المتوفى الظاهر بيبرس، بعد أن أخبره بأنهما إتصلا بالأمراء الظاهرية ، وقد قام خليل بعد أن تولى السلطنة بنفيهما مع أمهما إلى إمبراطورية نيقيا البيزنطية .
الحروب التي خاضها
وقائع حصار عكا وتحريرها من الصليبيين
منذ الثامن من شهر أيار/مايو بدأت أبراج عكا تصاب بأضرار بالغة نتيجة لدكها المستمر بالمناجيق وتنقيبها عن طريق المهندسين المسلمين. فانهار برج الملك هيو وتبعه البرج الإنجليزي وبرج الكونتيسة دو بلوا، وفي السادس عشر من أيار/مايو قام المسلمون بهجوم مركز على باب القديس أنطوان تصدى له فرسان المعبد والاسبتاريه.
في فجر يوم الجمعة 18 مايو/أيار (17 جمادى الأولى سنة 690 هـ)[56] سمع صليبيو عكا دقات طبول المسلمين ، وبدأ المسلمين بالزحف الشامل على عكا بامتداد الأسوار، تحت هدير دقات الطبول التي حُملت على ثلاثمائة جمل لإنزال الرعب في صدور الصليبيين داخل عكا.
تحرير صيدا وحيفا وأرواد من قبضة الصليبيين
أرسل الأشرف خليل الأمير الشجاعي إلى صيدا فقرر فرسان المعبد اللوذ بقلعتهم، التي كانت مشيدة على جزيرة صغيرة قرب الشاطئ، إذ أن ثروتهم كانت قد نقلها زعيمهم الجديد "تيبالد جودين" إلى صيدا وقت حصار حصنهم في عكا. ثم فر "تيبالد جودين" بالثروة إلى قبرص بعد أن وعد فرسان حامية صور بإرسال إمدادات إليهم من قبرص، وهو مالم يفعله ، فاضطر الفرسان إلى مناوشة قوات الشجاعي لبعض الوقت حتى تمكنوا ذات ليلة من الفرار إلى طرطوس بعدما لاحظوا أن المسلمين يبنون جسرًا بين الشاطئ والقلعة.
وبعد أن حرر الشجاعي صيدا توجه إلى بيروت التي كان بها حامية صليبية صغيرة كانت مرفأً تجاريًا هاما للصليبيين ، كانت سيدة بيروت ايشيفا أوف ايبلين ، تظن أنها بمأمن من المسلمين بسبب توقيعها هدنة مع السلطان قلاوون والد الأشرف خليل. عندما وصل الشجاعي إلى بيروتطلب من مقدمي الحامية المثول أمامه فلما أتوه قبض عليهم، ففر المقاتلون الصليبيون عن طريق البحر. تحررت بيروت من الصليبيين في الحادي والثلاثين من يوليو ، وأمر الشجاعي بتدمير قلاعها وأسوارها ، وتحويل كاتدرائيتها إلى مسجد.
وقد تحررت حيفا بدون مقاومة صليبية تُذكر ، وقام الأمير سيف الدين بلبان بمحاصرة طرطوس ففر الصليبيون إلى جزيرة أرواد مقابل الساحل السوري القريبة منطرطوس، وتحررت طرطوس في الثالث من أغسطس ، وبعدها عثليت في الرابع عشر من أغسطس - وبهذا - فقد الصليبيون كافة معاقلهم على ساحل الشام عدا جزيرة أرواد التي بقيت اثنتي عشر سنة في أيدى فرسان المعبد إلى أن قام المسلمون بمحاصرتها وتحريرها في عام 1302م كان الأشرف يدرك أن بطرد الصليبيين من سواحل الشام ، فإن قبرص قد صارت مصدر الخطر الأساسي على المسلمين ، فملك قبرص كان يعتبر بالنسبة للجيوش الصليبية ، من الناحية الاسمية ملكًا لبيت المقدس حتى بعد تحريرها. وبعد تحرير ساحل الشام أصبحت حكومة قبرص هي الحكومة الصليبية الأكثر حماسة لمعاودة الاستيلاء على "الأرض المقدسة" ، فقام الأشرف بتدمير كل المواقع والمدن والحصون الساحلية ليحرم الصليبيين من الافادة منها في حالة مهاجمتهم لها. ففضل الأشرف أن تبقى منطقة الساحل مهجورة طالما بقى التهديد الصليبي قائمًا .
وفي عام 1292 وصل الأشرف خليل ومعه وزيره ابن السلعوس إلى دمشق وانطلق منها على رأس الجيش إلى حلب ومنها إلى قلعة الروم "هرموغلا" مقر أرمينيا حاصر الأشرف قلعة الروم بعشرين أو ثلاثين منجنيقًا. وعمل الأمير الشجاعي سلسلة وشبكها في شراريف القلعة ، فصعد الأجناد وقاتلوا قتالًا شديدًا إلى أن إستولوا على القلعة بعد ثلاثة وثلاثين يومًا ، وأمر السلطان خليل بتغيير إسمها من قلعة الروم إلى قلعة المسلمين ، وطلب من الأمير الشجاعي عمارتها، وعاد إلى دمشق بالأسرى المكبلين بالأغلال ، وكان من ضمنهم بطريرك الأرمن ، وقام أهل دمشق باستقبال الجيش بآلاف الشموع المضيئة ، وتزينت المدينة إحتفالًا بالنصر ، ومن دمشق توجه الأشرف إلى القاهرة التي تزينت له من باب النصر ، وصعد إلى قلعة الجبل من باب زويلة ، وإستقبلته رعيته المحتشدة والمبتهجة بآلاف الشموع .
ولقد كانت مملكة أرمينية الصغرى، أو مملكة قليقية، من ألد أعداء الدولة المملوكية، حيث شاركت في الحروب الصليبية ضد المسلمين وتحالفت مع المغول عليهم وكان لها قوات شاركت في صف المغول في معركة عين جالوت ، وقد أصبحت تلك المملكة الصليبية بعد هزيمة المغول، التي أدت إلى نقص قدرتهم على حمايتها ، هدفًا للماليك يغيرون عليها من حين لآخر منذ عهد السلطان الظاهر بيبرس ، وبعد فتح قلعة الروم أصبحت سيس عاصمة مملكة أرمينية الصغرى مقرًا للكنيسة الكاثوليكية الأرمينية.
وقد تجهز الجيش في دمشق بقيادة الأمير بيدرا نائب السلطنة ، ثم لحق به الأشرف بعد أن توقف في الكرك لترتيب أحوالها ، وأمر بالتجهيز لأخذ بهنسا من الأرمن ، فلما علم الأرمن بنية الأشرف أرسلوا له الرسل يرجون منه عدم مهاجمة مملكتهم ، فتم الاتفاق على تنازل الأرمن عن بهنسا ومرعش وتل حمدون في مقابل عدول الأشرف عن مهاجمتهم ، فأرسل الأشرف الأمير طوغان والي البر بدمشق مع رسل الأرمن إلى تلك المناطق لتسلمها فصارت في حوزة المسلمين بغير قتال .
القضاء على الصليبيين ونهايتهم
أنهى الأشرف خليل عملية تقويض الحلم الصليبي التي كان قد بدأها الناصر صلاح الدين وأكملها السلطان بيبرس ومن بعده إبنه قلاوون.
وبسقوط عكا والمراكز الصليبية على ساحل الشام ، تبخر الحلم الصليبي الذي عمل الصليبيون خلال مائتي عام على تحقيقة بكل جد ودون كلل وكلفهم المال والرجال. بعد سقوط عكا حاول بابا الكاثوليك "نيقولا الرابع" فعل شيء يعيد للصليبيين مكانتهم وهيبتهم ، وقام فور سماعه بسقوط عكا بتحميل عشرين سفينة بالمقاتلين في أنقونا وجنواوأرسل بها إلى قبرص ، وقامت تلك السفن بعد أن انضمت إليها سفن الملك هنري بغارة فاشلة على حصنتركي على ساحل الأناضول ، وغارة كر وفر على مدينة الإسكندرية في مصر ، غلًا وحقدًا على انتصارات الأشرف وجيش المسلمين، ولكن البابا نيقولا مات في سنة 1292 دون تحقيق أكثر من ذلك.
أما ملوك أوروبا فقد دخلوا في صراعات داخلية كالحرب المريرة التي نشبت بين فرنسا وإنجلترا في عام 1293 ولم يعد في استطاعتهم تنظيم حملات صليبية جديدة. أما فرسان المعبد فقد كانت نهايتهم مأساوية في أوروبا بعد أن تورطوا في مشكلات مالية مع ملك فرنسا فيليب الرابع ، وإتهمهم البابا كليمينت الخامس بالهرطقة فتم الإستيلاء على ثرواتهم ، ولعنوا ، وألقي بهم في النار.
عسكريًا ، كان الأشرف خليل يملك مواهب وطاقات بعض من سبقوه كالظاهر بيبرس ووالده قلاوون ، ولكن الأشرف لم يصادف هوى الأمراء منذ البداية. فقد بدأ حكمه بالقبض على أمراء أبيه وأعدم بعضهم مثلما فعل مع الأمير طرنطاي نائب سلطنة أبيه. بعد فتح عكا قام الأشرف بالقبض على حسام الدين لاجين ، وبعد عودته منتصرًا إلى القاهرة ، أعدم بعض كبار الأمراء - من بينهم الأمير سنقر الأشقر - ومن جهة ثانية عمد الأشرف إلى تفضيل المماليك والأمراء البرجية من ذوي الأصول الشركسية على المماليك والأمراء من ذوى الأصول التركية مما خلق حالة من التنافس والكراهية بين الأمراء.
بعد عودة الأشرف من الشام إلى مصر منتصرًا تملكته مشاعر الغرور والتعاظم فراح يعامل الأمراء بخشونة واستخفاف وأصبح يعلم على الأوراق والمستندات بحرف "خ" فقط دون إسمه مما أغضب الأمراء ، وفوق ذلك كان الأمراء يكرهون وزيره ابن السلعوس الذي أتى من سوريا ، ولم يكن في الأصل أميرًا أو مملوكًا وإنما كان تاجرًا دمشقيًا، وتقلد منصب الوزارة الرفيع بدلًا من الأمير الشجاعي، وراح يغدق عليه الاشرف ويفضله على كبار الأمراء لمكانته. وكان ابن السلعوس يتعالى على الأمراء.]
في شهر ديسمبر عام 1293 ذهب السلطان الأشرف إلى تروجة القريبة من مدينة الأسكندرية ، في رحلة صيد طيور ، وكان في صحبته وزيره إبن السلعوص ونائب سلطنته بيدرا ، وطلب الأشرف من إبن السلعوص الذهاب إلى الإسكندرية لتحصيل العائدات ، فلما وصل ابن السلعوس إلى الإسكندرية تبين له أن نواب الأمير بيدرا قد حصلوا العائدات من قبل ، فكتب للأشرف يعلمه بما فعله بيدرا ، فلما بلغت الرسالة الأشرف غضب وإستدعى بيدرا إلى دهليزه وراح يعنفة ويهدده في حضور الأمراء. خرج بيدرا من دهليز الأشرف مضطربًا خائفًا فجمع عددا من الأمراء من خشداشيته ومنهم حسام الدين لاجين وقرا سنقر ، وإتفقوا على قتل السلطان .
في 21 ديسمبر 1293، وبينما الأشرف يتجول مع صاحبه الأمير شهاب الدين أحمد بن الأشل، جاءه بيدرا والمتآمرون معه ، وكان من بينهم لاجين وألطنبغا رأس نوبة وإغتالوه بسيوفهم .
بعد إغتيال الأشرف توجه المتآمرون إلى الدهليز ونصبوا بيدرا سلطانًا ولقبوه بالملك الأوحد - أو الملك القاهر - ولكن بيدرا لم ينعم طويلاً بسلطنته حيث قبض عليه المماليك السلطانية بقيادة كتبغا وبيبرس الجاشنكير وقتلوه وأرسلوا رأسه إلى القاهرة ، وقبض على الأمراء المتآمرين عدا حسام الدين لاجين وقرا سنقر الذين فرا واختفيا ، وقبض الأمراء، وعلى رأسهم الشجاعي ، على ابن السلعوس بعد عودته إلى القاهرة حيث حُبس وضُرب حتى الموت.
بعد موت الأشرف خليل ، إتفق الأمراء - وعلى رأسهم سنجر الشجاعي - على إخفاء الأمر لبعض الوقت ، وعلى تنصيب أخيه الصغير الناصر محمد سلطاناٌ على البلاد ومعه كتبغا نائبًا للسلطنة والأمير الشجاعي وزيرًا. وكان الناصر محمد صبيًا في نحو التاسعة من عمره.
وأرسل إلى الحكام في الشام مكتوباً على لسان الأشرف مضمونه: "إنّا قد إستنبنا أخانا الملك الناصر محمدًا وجعلناه ولي عهدنا حتى إذا توجهنا إلى لقاء عدو يكون لنا من يخلفنا" ، وطلب من أمراء الشام تحليف الناس للملك الناصر محمد ، وأن يقرن إسمه بإسم الأشرف في الخطبة ، وبعد أن إستقرت الأمور ورتب الأمراء أمورهم أعلن في البلاد عن وفاة السلطان خليل ولبس جواري الأشرف الحداد ، وطافت النواحات في شوارع القاهرة وأقيمت المآتم وساد مصر الحزن ، وإحتشدت العامة في الشوارع والميادين للفرجة على عقوبة وإعدام المتآمرين.
ختام تاريخ الملوك المعاصرين للخدمة
إرسال تعليق