تاريخ الرهبنة القبطية
( منتصف القرن الرابع الميلادي )
القديس الانبا أنطونيوس - أول المتوحدين
مقدمة
يُعتبر القديس الأنبا أنطونيوس - هو المؤسس الفعلي لنظام الحياة الرهبانية في العالم ، وليس في مصر فقط ، فهو الذي أسس القواعد الرئيسية والأساسية للحياة الرهبانية منذ منتصف القرن الرابع الميلادي ، ولذلك - فيعتبره العالم " أب الأسرة الرهبانية " ، ومؤسس الحركة الرهبانية في العالم كله ، بالرغم من وجود حركات رهبانية سابقة له.
المَوٌلِد والنشأة الأولى
وُلد القديس الأنبا أنطونيوس في بلدة قمن العروس ، وهي بلده تابعة لبني سويف حوالي عام 251 م - من والدين ميسورين على قدر كبير من الثراء .
بداية السلوك في حياة الرهبنة
ولما مات والده ـ وقف أمام الجُثمان يتأمل زوال هذا العالم ، فإلتهب قلبه نحو الأبدية. وفي عام 269 م - إذ دخل ذات يوم الكنيسة سمع الإنجيل يقول : " إن أردت أن تكون كاملًا اذهب وبع كل مالك ووزعه على الفقراء ، وتعال إتبعني " .
فشعر أنها رسالة شخصية تمس حياته ، عاد إلى أخته الشابة ديوس يعلن لها رغبته في بيع نصيبه وتوزيعه على الفقراء ليتفرغ للعبادة بزهد، فأصرت ألا يتركها حتى يسلمها لبيت العذارى بالإسكندرية.
الأنبا أنطونيوس والحياة في البرية
في بداية حياة الرهبنة - سكن أنطونيوس - الشاب - في منطقة قريبة من نهر النيل ، وكان يقضي كل وقته في الصلوات بنسكٍ شديد، لكن إذ هاجمته أفكار الملل والضجر صار يصرخ إلى الله ، فظهر له ملاك على شكل إنسان يلبس رداءً طويلًا متوشحًا بزنار صليب مثل الإسكيم cxhma ، وعلى رأسه قلنسوة ، وكان يجلس يضفر الخوص. قام الملاك ليصلي ثم عاد للعمل وتكرر الأمر.
وفي النهاية - قال الملاك له : " إعمل هذا وأنت تستريح " ، صار هذا الزي هو زي الرهبنة ، وأصبح العمل اليدوي من أساسيات الحياة الرهبانية حتى لا يسقط الراهب في الملل.
التجارب الأولى في الحياة الرهبانية
في أحد الأيام - نزلت سيدة إلى النهر لتغسل رجليها هي وجواريها ، وإذ حَول القديس نظره عنهن ، منتظرًا خروجهن بدأن في الإستحمام ، ولما عاتبها على هذا التصرف ، أجابته : " لو كنت راهبًا لسكنت البرية الداخلية ، لأن هذا المكان لا يصلح لسُكنى الرهبان ".
وإذ سمع القديس هذه الكلمات قال في نفسه : " إنه صوت ملاك الرب يوبخني " ، وفي الحال ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية ، وكان ذلك حوالي عام 285 م.
الإتجاه إلى الرهبنة في البرية الشرقية بالبحر الأحمر
1- بداية حياته في البرية الشرقية وإنتصاره على الحروب الشيطانية
لقد إستقر القديس الأنبا أنطونيوس في البرية الشرقية بالبحر الأحمر ، وسكن في مغارة على جبل القلزم ، تقع تحديداً في شمال غربي البحر الأحمر ، عاش فيها مواظباً على الممارسات الروحية بإنتظام ، مُمارساً حياة الوحدة والعبادة بكل جدية وإلتزام ، وهناك - لم تتوقف محاولات الشياطين معه من أجل الإيقاع به ، فكانت حروبهم له متعددة ، علانية تارة على شكل نساء ، وأخرى على شكل وحوش مرعبة ، ولكنه إنتصر عليها جميعاً ، بثباته في الإيمان ، وبقوته صلواته التي كانت لاتتوقف ليلاً . نهاراً ، فكانت حياته التوحدية ، هي حياة جهاد روحي مُستمر .
2 - إنتشار سيرة الأنبا أنطونيوس وترك التوحد وقتياً
لقد كانت المشيئة الإلهية قد إرتضت إنتشار سيرة القديس الأنبا أنطونيوس ، المتوحد في البرية الشرقية بالبحر الأحمر ، فعَلِمَ الجميع بأمره ، وطلب الكثير من الناس مقابلته لنوال البركة منه ، ولتعلم أساليب الحياة الرهبنة وقواعدها وما يرتبط بها من ترتيبات وصلوات وطقوس ومبادئ.
في حوالي عام 305 م - إضطر القديس الأنبا أنطونيوس أن يكسر خلوته ليلتقي بتلاميذ جاءوا إليه يشتاقون إلى التدرب على يديه ، فكان يعينهم ويرشدهم ، وإن كان قد عاد إلى وحدته مرة أخرى.
3 - تأسيس قواعد الرهبنة الأنطونية
إن كان هذا العظيم بين القديسين هو مؤسس نظام الرهبنة (الوحدة) ، فإن حياته تكشف عن مفهوم الرهبنة المسيحية ، خاصة نظام الوحدة :
|+| أولًا : خرج للرهبنة بلا هدف كهنوتي ، وكانت حركته شعبية لا كهنوتية ، لا يطلب التدخل في التنظيم الكنسي ، وحتى حينما أرسل إليه الإمبراطور قسطنطين يطلب بركته أرجأ الرد عليه ، ولما سأله تلاميذه عن السبب؟ أجاب أنه مشغول بالرد على رسالة الله ملك الملوك ، وبعد إلحاح بعث بالرد من أجل سلام الكنيسة.
|+| ثانيًا : حبه الشديد للوحدة لم يغلق قلبه نحو الجماعة المقدسة ، بل كان في عزلته يؤمن بعضويته الكنسية - لذلك - عندما إستدعى الأمر ، نزل إلى البابا أثناسيوس الرسولي ( الذي تتلمذ على يدي القديس أنطونيوس ) ، وبدخوله الإسكندرية ارتجت المدينة ، وخرج الكل متهللين لأن رجل الله قادم ، وبالفعل عاد كثير من الأريوسيين إلى الكنيسة ، وقد حدث أن نزل إلى الإسكندرية ، لكي يُساند المُعترفين في السجون ويُرافقهم حتى ساحة الإستشهاد .
|+| ثالثًا : مع محبته الشديدة للوحدة تلمذ القديس مقاريوس الكبير الذي أسس نظام الجماعات ، كما فرح جدًا بأخبار باخوميوس مؤسس نظام الشركة ومدحه... هكذا لم يحمل روح التعصب لنظام معين !.
|+| رابعًا : عُزلته لم تكن ضيقًا وتبرمًا، لذا كان الكل يدهش لبشاشته وتهليله الداخلي، وقد اتسم بصحة جيدة حتى يوم نياحته ، وكان قد بلغ المائة وخمسة عامًا.
|+| خامسًا : قيل أنه كان أميًا لا يعرف القراءة والكتابة ، لكنه كان يفحم الفلاسفة اليونان ببساطة قلبه ، وقد جذب بعضهم إلى الإيمان ، وعندما سأله بعضهم كيف يتعزى وسط الجبال بدون كتاب ، قال لهم إن الله يعزيه خلال العقل الذي يسبق الكتابة.
|+| سادساً : البصيرة الروحية الكاملة : قيل إنه سُئل عن عبارة في سفر العبرانيين، فإتجه ببصره نحو البرية ، ثم رفع صوته وقال : " اللَّهم أرسل موسى يفسر لي معنى هذه الآية " ، وفي الحال سُمع صوت يتحدث معه ، وكما يقول الأب أمونيوس إنهم سمعوا الصوت ، ولم يفهموه.
+ حياتنا وموتنا هما مع قريبنا ، فإن ربحنا قريبنا نربح الله ، وإن أعثرنا قريبنا نخطئ ضد المسيح.
+ أحزن البعض أجسادهم بالِنسك ، وبسبب عدم التمييز فهم بعيدون عن الله.
+ يأتي وقت فيه يصاب البشر بالجنون ، فإن رأوا إنسانًا غير مجنون ، يهاجمونه ، قائلين : " أنت مجنون ، إنك لست مثلنا " .
+ الطاعة مع الزهد يهبان البشر سلطانًا على وحوش البرية.
نياحة القديس الأنبا أنطونيوس
بعد أن قضى القديس الأنبا أنطونيوس ، حياة صالحة ، كان فيها مثالاً مُتجسداً للحياة المجردة من ملذات ومباهج العالم الفانية ، وكان فيها خير نموذج ، تجتمع فيه كل الفضائل ، تنيح في شيخوخة وقورة.
دير القديس الأنبا أنطونيوس بالبرية الشرقية
دير القديس الأنبا أنطونيوس – البرية الشرقية
يرجع تاريخ دير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس بالبرية الشرقية بالبحر الأحمر ، إلى منتصف القرن الرابع الميلادي ، والدير لم يزل يحتفظ بالعديد من معالمه الأثرية الفريدة ، وطرازه المعماري المتميز ، وقيمته الأثرية والتاريخية الهامة في تاريخ الرهبنة القبطية ، على الرغم من قِدَم عهده ، ومع الأخذ في الإعتبار ، تأثره بالعديد من عوامل الزمن ومتغيراته ، ولكنه كان قد مر بعدة مراحل من الترميم والتجديد الشامل ، فتغيرت معه بالتالي ، بعض المعالم الأصيلة للدير ، لما طرأ عليه من أعمال إصلاح شامل للمباني المتهدمة ، وما تم إجراؤه من عمليات ترميم ، وتجديد ، على إمتداد العصور ، كانت قد شملت جميع المباني الداخلية للدير القديم ، والسور ، والقلالي القديمة ، وقد أُجريت عمليات توسيع وتجديد وترميم شامله للدير في عهد قداسة البابا شنودة الثالث [ 1971م - 2012 م ]،
دير القديس الأنبا أنطونيوس – البرية الشرقية
دير القديس الأنبا أنطونيوس – البرية الشرقية
دير القديس الأنبا أنطونيوس – البرية الشرقية
وعلى مدار تاريخ دير القديس الأنبا أنطونيوس ، أحد صروح الرهبنة في برية مصر الشرقية ، جلس على الكرسي الباباوي المرقسي ، عدد من الرهبان الأنطونيين ممن ترهبوا في هذا الدير ، كبطاركة - نذكر منهم ما يلي :
البابا غبريال السادس البطريرك الـ 91 .
البابا يوأنس الخامس عشر البطريرك الـ 99 .
البابا مرقس السادس عشر البطريرك الـ 101 .
البابا يوأنس السادس عشر البطريرك الـ 103 .
البابا يوأنس السابع عشر البطريرك الـ 107 .
البابا مرقس الثامن البطريرك الـ 108 .
البابا بطرس الجأولى البطريرك الـ 109 .
البابا كيرلس الرابع الشهير بأبى الإصلاح البطريرك الـ 110 .
البابا يوساب الثاني البطريرك الـ 115 .
إرسال تعليق