لقد حدث أن تم إختياره للرسامة قسًا وهو كان لم يزل إبن ثماني عشرة سنة ، فلما ذاع خبر الرسامة ووصل إلى مسامع أبيه الروحي القمص أبرآم الفاني (من دير أبي فانا) قام في الحال وقابل الأسقف معترضًا على تصرفه قائلاً : كيف جسرت يا أبانا وكرست صبيًا شابًا راعيًا للغنم قسًا وهو ابن ثماني عشرة سنة؟ ، فأقنعه الأسقف بأن الشاب يستحق أن يكون بطريركًا لما كان يعلمه عن أحوال هذا القس الذي كان في مدة أقامته عند الأسقف يصوم في زمن الصيف يومين يومين وفي زمن الشتاء ثلاثة ثلاثة.
ولما
نظر القس متى ما وقع من النزاع بسببه ، مضى إلى جبل القديس أنطونيوس (حوالي سنة 1254م ) ، واختفى في الدير ولم يُظْهِر لأحد أنه كاهن. وكان في خدمته في الكنيسة يعمل
كشماس بسيط حيث لم يشأ أن يعلم أحدًا أنه قسيس كاهن ولكن إرادة الله هي فوق كل
إرادة إذ حدثت معجزة بسبب تنكره هذا ففي أثناء الخدمة في البيعة خرجت يد من الهيكل
وأعطته البخور ثلاث دُفعات عند قراءة الإنجيل ، ثم غابت عنه فلما نظرها بعض شيوخ
الرهبان القديسين ومنهم الأب القديس مرقس الأنطوني ، وتحققوا ، قالوا إنه لابد أن يصير
هذا بطريركاً فلما سمع هذا الكلام منهم حزن جدًا وقام وخرج من الدير وذهب إلى مدينة
أورشليم وسرعان ما إشتهرت قداسته فرجع مرة أخرى إلى دير الأنبا أنطونيوس.
[ دير القديس الأنبا أنطونيوس - البرية الشرقية ]
الإضطهاد وتأخر رسامته بطريركاً
لقد صدرت أوامر الوالي بمصر بمعاقبة الرهبان بالأديرة فلما جاء الجنود ، قبضوا على الأب متى وضربوا الأب مرقس الأنطوني عوضًا عنه ، ثم أراد القائد أن يأخذهم إلى مصر ، وفي الطريق ، إشتد عليهم العطش ، ولما طلبوا أن يستقوا ، رفض القائد إعطاءهم ماءً فصلى الطوباوي مرقس ورفع وجهه إلى السماء، فإنفتحت وهطلت الأمطار ، وإمتلأت الأودية، وشربوا جميعهم، ومن كثرة الأمطار أصبح السير مستحيلًا فنزلوا يستريحون فإذا برسول من عند الوالي يوافيهم بخبر خلاصهم وعودتهم إلى الدير فتعجب القائد وندم على عقابهم ولم يمكث الأب متى بالدير إلا قليلًا ، ثم أخذ أذنًا من الأب الطوباوي : " مرقس الأنطوني " ، ومضى إلى دير المحرق حوالي سنة 1366 م.
في هذه الأثناء ، تنيح البابا " غبريال الرابع " البطريرك (86) في 28 أبريل سنة 1378 م الموافق 3 بشنس سنة 1094 ش وأصبح الكرسي بعده خاليًا نحو ثلاثة أشهر فقام جماعة من الشعب يبحثون عمن يصلح للبطريركية من الرهبان لترشيحه إلى أن استقر رأيهم على سؤال القس متى أن يصير بطريركًا عليهم ، فرفض ، وإختفى عن الأعين ونزل في مركب للإبحار إلى الجهات القبلية إلا أن الطبيعة عاكسته بإرادة الله وأثناء البحث عنه أتى طفل بإلهام إلهي ، وكان صغير السن فدلهم عليه قائلًا: إنه مختبئ في باطن المركب. فأسرع الشعب إليه وأخرجوه.
ولم عَلِمَ أنه لا خلاص من أيديهم حينئذ سألهم بإلحاح أن يشاور آباءه الشيوخ في جبل القديس أنطونيوس الذين أشاروا عليه ألاَّ يهرب مما رسم الرب له، بل يستعد ويقبل الخدمة كبطريرك.
فضائله " الرحمة والإتضاع "
مما عُرِفَ عن البابا متاؤس الأول - أنه كان كثير الفضائل ، فكان ممتلئاً من الروح القدس ، والذي كان يعمل فيه بقوة ، وينعكس على سلوكه مع كل من حوله ، فكان يتصف بالرحمة في إعانة المساكين والرهبان والراهبات ، لا يتعاظم قط ولا يتكبر ، لأنه حاز مع الرحمة فضيلة الإتضاع.
أيضاً ، مما عُرِفَ عنه ، أنه إذا
دعته الضرورة يعمل مع الفعلة والعمال معاجن الطين وينزح مراحيض البيعة - التي كان
هو فيها مع العلمانيين - وكان يحمل القلال من (التراسين) ، وكان يقوم أيضًا ليلًا ، ويتبع سير الحمير التي كانت تحمل الغلال ، وكان مع هذا كله لم ينحط قدره ولم تذهب
عنه هيبته بل إزداد مجدًا ووقارًا في أعين الناس ، ووّجه إهتمامه منذ أن إعتلى
الكرسي إلى الصلاة بدون فتورٍ ، فصار عندما يسمع دقات الجرس الذي ركَّبه ينهض للصلاة
في أوقاتها مع إستمرار في مُمارسة فضيلة الصوم.
مواهبه الروحية
بالإضافة إلى المواهب التي أعطاها له الله من إخراج الشياطين ، وشفاء الأمراض المستعصية فقد منحه الله موهبة إقامة الموتى ومما يذكر أن إنسانًا كان يعمل فاعلًا في عمارة قديمة في بيعة السيدة العذراء بحارة زويله فسقط هذا الفاعل أثناء العمل من فوق السقالة على الأرض وكان حاملًا حجرًا ثقيلًا فلما وقع نزل على جسده ذلك الحجر وطبق أضلاعه فمات، وقصد رفقاؤه أن يتركوه مكانه ويهربوا، فلما سمع البابا بهذا الحادث -حيث كان يقيم وقتئذ في هذه البيعة- لم يمكَّن رفقاء الفاعل من الهرب، وقام عليهم قائلًا: اسكتوا ولا تقولوا إن الفاعل قد مات لأنه لم يمت وأنا أضمن لكم من مراحم السيد المسيح أنه حي فحمله أربعة ووضعوه كأمر البابا أمام صورة السيدة العذراء مريم صاحبة البيعة ثم غطاه بوزرته نحو ثلاث ساعات من النهار إلى التاسعة، وطلب قليلًا من الماء الساخن وصلى عليه وغسل به أعضاء العامل فكان كلما غسل عضوًا من أعضاء هذا العامل يتحرك لساعته إلى أن قام حيًا بشفاعة صاحبة الشفاعات والدة الإله فلما نظر رفقاء العامل والحاضرون ما حدث مجدوا الله.
مما يذكر عنه أيضاً ، أنه إذا وضع وزرته على أحد المرضى ويذهب ليسأل السيدة العذراء له ، ويعود ويكشف عنه الوزرة يجده قد شفى من مرضه تمامًا.
وهكذا كان يصنع الرب على يد البابا " متاؤس الأول " ، المعجزات والعجائب كقوله:
"أكرزوا قائلين إنه قد إقترب ملكوت السموات. اشفوا مرضى أقيموا موتى ، أخرجوا
شياطين ، مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا" (مت 10: 7-9).
وقد
ورد عنه في بعض المصادر التاريخية الأخرى ، ما يفيد إتفاقها في ما يخص تحديد موطن
البابا " متاؤس الأول " الأصل ، حيث ورد ما يفيد الآتي :
{
كان هذا البابا القديس الطاهر من بلدة صغيرة ـ تسمى بنى روح التابعة لولاية
الأشمونين قديمًا ـ مركز ملوي حاليًا في صعيد مصر - وتربى في مكتب البلدة حيث حفظ
المزامير والمردات وتعلّم القراءة والكتابة - وقد عهد إليه والده منذ طفولته
بالقيام بمهام رعي الغنم في بيته وإن الله المظهر عجائبه في قديسيه أظهر في هذا
الطفل منذ حداثته أعمالًا عجيبة في الرعاية ، فعندما كان يقف ليلعب مع الأطفال كان
يضع يده على رأس كل واحد من الأطفال ويقول : "أكسيوس أكسيوس أكسيوس"
ثلاث مرات ، وكان يرسم جماعة منهم قسوس وآخرين شمامسة ، حتى كانت والدته المباركة
تعجب لذلك ، وتشير إلى الجمع قائلة : " إن إبني هذا لابد أن يصير بطريركًا
" ، متنبئة بذلك بإلهام إلهي ، وصار يمارس هذه الأعمال في صغر سنه إلى أن بلغ
عمره أربع عشرة سنة حينئذ ترك بيت أبيه ومضى إلى أحد أديرة الصعيد ، وعمل راعي غنم
كعادته ، وكان لا يلبس على جسده ثوبًا بل كان يكتفي بعباءة ، وحبل على حقوية ،
وكان - مع تحقيره لنفسه في ملبسه وإنكار ذاته بهذه الصورة - ذا شجاعة نادرة وقوة
شديدة حتى إنه من عظم شجاعته ، كان الرعاة الذين يكبرونه سنًا إذا رصدتهم الضباع
في الليل للسطو على أغنامهم ولا يقدرون على مقاومتها يمتحنوا هذا الأب في شجاعته
فيبعثونه إلى تلك الضياع ، فكان إذا دنا منها وصرخ فيها تفر منه ، وتجري هاربة ، فكان
الرعاة يندهشون من عظم شجاعته وسرعة إقدامه } .
تاريخ الحكم
هو السلطان المنصور علاء الدين علي بن شعبان أحد سلاطنة المماليك البحرية تولى عرش مصر في الفترة من (1376-1381)م .
وهو يُعد من أحفاد السلطان الناصر محمد بن
قلاوون تولى الحكم لمدة سنتين خلفا لوالده السلطان السلطان شعبان ، ثم توفي وخلفه
وجاء أخوه الصالح زين الدين حاجى .
الفترة الأولى : 1381 م -
1382 م
الفترة الثانية : 1388م - 1389 م
تاريخ الحكم
هو السلطان : "الصالح صلاح الدين ابو الجود أمير حاج حاجى إبن
الأشرف شعبان إبن الأمجد حسين إبن الناصر محمد بن قلاوون" ،
سلطان الدولة المملوكيه الرابع و عشرين ،
و آخر سلاطين الدوله المملوكيه البحريه ، شقيق السلطان علاء الدين على. حكم مرتين ،
اول مره سنة 1381م بلقب "الصالح"، و كان لم يزل طفلاً في الحادية عشرة من عمر ه ، بعد وفاة
اخوه ، وتولى الحكم منفرداً حتى عام 1382 م ، ثم تولى الحكم للمرة الثانية في عام 1388م ، بلقب "المنصور" ، وذلك بعد ما إستطاع أن يسترد العرش من سيف الدين برقوق اول سلاطين الدوله المملوكيه البرجيه ، وظل في الحكم حتى جاء سيف الدين برقوق ، وأطاح به في سنة 1389م.
وقد توفى السلطان صلاح الدين بن حاجي فى يناير من عام 1412 م
سيف الدين برقوق
1363 م - 1376 م
مقدمة
هو السلطان / الملك " الظاهر سيف الدين برقوق بن أنس بن عبد الله الشركسي " ، وُلد في القفقاس عام 1340 م (740 هـ) .
كان قد قَدُمَ إلى القاهرة وهو في ريعان الشباب ، لا يزيد عمره عن 20 عاماً ، وذلك ليلتحق بالجيش المصري ، حيث أتقن فنون الحرب والفروسية، وترقّى في المناصب العسكرية ورُتب الإمارة حيث أصبح أمير طبلخانه، ثم أمير آخور ثم أتابكا عام 779 هـ.
وقد عمل على جمع شمل الأمراء الشراكسة وتعزيز مواقعهم فلما نشِب النزاع بينه وبين الأمير بركة هزمه وقبض عليه وحبسه.
ثم عُيّن مُشاركاً في تدبير أمور الدولة (أي وصيا على العرش) بعد وفاة السلطان المنصور علاء الدين علي بن شعبان وتولية ابنه الطفل الصالح حاجي سلطاناً في عام 1381 م.
بداية الحكم
إستجاب لإلحاح الأمراء ورغبتهم في تنصيبه سلطاناً فعلياً عليهم بدلاً من السلطان الاسمي الصغير فوافق على ذلك وبويع سلطانا على مصر في 19 رمضان 784 هـ (16 نوفمبر 1382 م) ولُقّب بالملك الظاهر سيف الدين برقوق ، فكان بذلك مؤسس دولة السلطنة الشركسية في مصر (البُرجييّن أو المماليك البرجية) بمصر ، والتي إستمرت حتى عام1517 م.
جرت عدة محاولات لعزله، واستطاع أعداؤه في عام 791 هـ (1391 م) هزيمته، ونفيه وسجنه في قلعة الكرك في الأردن، لكنه استطاع بمساعدة أصدقائه تحرير نفسه والهرب من سجنه وهزيمة مناوئيه والعودة إلى عرش السلطنة ثانية في عام 792 هـ (1392 م).
نجح في عقد عدة معاهدات مع العثمانيين والقفجاق وسيواس ضد الخطر المغولي الزاحف. يشير كل من المؤرخ ماسيمو كابواني، وأوتو فريدريش أوغست ميناردوس، وماري هيلين روتششوفسكايوفي من جامعة ميشيغان أنه خلال حُكم الظاهر سيف الدين برقوق وقعت الاضطهادات الكبرى عام 1321، والتي كانت بمثابة "الضربة القاضية للأقباط"، وفقاً لماري هيلين. ويشير المؤرخ روبرت مورجان أنه في عام 1327 حدثت موجة أخرى من الاضطهادات خلال حُكم الظاهر سيف الدين برقوق والتي شملت "هدم الكنائس وحياة الأقباط وسبل عيشهم"، وقام السلطان بصرف الأقباط من المناصب الحكومية.
الوفاة
توفي
يوم الجمعة 15شوال 801 هـ (1399 م) وعمره 60 عاما، وقد بكاه الناس لعدله ورفقه
برعيته. وكان من مآثره، إبطال الضرائب على الثمار والفواكه، وبناء مدرسة وخانقاه
ومدفن الظاهر برقوق وجسر الشريعة على نهر الأردن. كانت الحرب علي اشدها في عصره
بين تيمور لنك (المغولي) وبايزيد (العثماني) وكان يسعي كلا الطرفين لارضائه وان
يكسبه في صفه . كان شجاعا ذكيا عارفا بالفروسية ماهرا بلعب الرمح، يحب الفقراء
ويتواضع لهم، قيل عنه انه كان أعظم ملوك الشراكسة بلا منازع.
لقد تنيح البابا "متاؤس الأول" ، عن عمر ناهز السبعين عاماً ، قضى منها ثلاثين سنه وخمس شهور على الكرسي المرقسي.
وقد كانت نياحته نياحة القديسين الأبرار، وقبل وفاته دعا تلاميذه وأولاده الروحيين وأبناءه المختارين وأعلمهم بقرب ساعة إنتقاله ، ثم أرسلهم في تلك الساعة وأحضروا له جميع ما يحتاج إليه لتكفينه ، ثم أوصاهم أن يتركوه ملفوفًا في أكفانه الصوف ولا يخرجوه عن تقليد الرهبان قَط ، فيدفنوه كراهب بسيط متواضع القلب ، وأكد عليهم أن لا يدفنوه إلا بين أولاده الراقدين داخل الخندق (كنيسة الأنبا رويس الأثرية حاليًا) ، ثم بعدما أوصاهم بهذا باركهم وودعهم ، ثم أمرهم أن يغطوه بوزرته ويتركوه وحده ، وهكذا في الساعة التي غطوه فيها أسلم الروح في الهجعة الأولى من ليلة الاثنين الخامس من شهر طوبة سنة 1125 ش الموافق 31 ديسمبر سنة 1408 م.
وكان الإحتفال بجنازته عظيمًا حيث حضره جمع غفير من كل الطوائف ، وبعدما دفنوه أظهر الله منه للمؤمنين آيات وعجائب كثيرة كانت بعد إنتقاله أكثر مما كانت في حياته بركة صلاته تكون مع جميعنا آمين.
إرسال تعليق