إنجيل برنابا الكاذب
إن المتواتر أو الشائع عن كتاب برنابا لدي عموم المسلمين ، أنه كتاباً سماوياً ، كُتب بالوحي المقدس ، وأنه يتناول قصة حياة يسوع ، ولكنه في الواقع ، كتاب وضعي ، أي أنه من وضع الإنسان ، وتأليفه ، ومادة هذا الكتاب ماهي إلا عصارة إجتهاد بشري خالص ، لا دخل للوحي فيه ، ولا صِلة .
ومن الأمور الأخرى التي يشوبها الخلط والخطأ في صدد حديثنا عن هذا الكتاب ، أن البعض من المؤمنين به ، يعتقدون أن كاتبه هو برنابا الرسول ، والذي شارك في أكثر من رحلة تبشيرية في آسيا الصغري وأوروبا مع القديس بولس الرسول ، والقديس مرقس الرسول ، وعدد من التلاميذ المبشرين بالكلمة الإلهية ، والذين حل عليهم الروح القدس في يوم الخمسين المقدس في عليٌة صهيون ، في الثلث الأول من القرن الأول للميلادي [ يقدره بعض العلماء بأنه في حوالي عام 36 م ] ، ولكن هذا المعتقد ، خاطئاً بكل معني الكلمة ، فبرنابا المعني به وضع هذا الكتاب ، هو في واقع الأصل رجلاً من القرن السابع الميلادي ، أي بعد ظهور القديس برنابا الرسول بأكثر من سبعمائة عاماً .
هذا - وهناك مخطوطان فقط لهذا الإنجيل ، يرجع تاريخهما إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي ، أحدهما مكتوب بالإيطالية والآخر بالإسبانية.
حجم إنجيل برنابا يعادل حجم الأناجيل القانونية الأربعة مجتمعين تقريبًا.
معظم نص هذا الإنجيل يتناول فترة كهنوت يسوع ، ومعظم أحداثه تتجانس مع الأناجيل القانونية ، إلآ أنه يتفق في بعض الأمور الأساسية مع التفسير الإسلامي لأصل المسيحية مخالفًا تفسيرات العهد الجديد للمسيحية.
إن إنجيل برنابا ليس هو «رسالة برنابا» الباقية للآن ، والتي يُعتقد أنها كتبت في الإسكندرية في القرن الثاني الميلادي ، كما أن الاثنين يختلفان في الأسلوب والمحتوى والتاريخ رغم نسبتهما إلى برنابا.
ففيما يخص مسألة ( الختان ) ، يختلف السِفران بوضوح حول تلك المسألة ، فالرسالة ترفض الممارسات اليهودية ، وفي المقابل يؤيد الإنجيل تلك الممارسات.
كما أن إنجيل برنابا يختلف عن سفر أعمال برنابا الموجود للآن ، والذي يروي أسفار برنابا وإستشهاده وتعذيبه ، والذي يُعتقد أنه كُتب في قبرص ربما بعد سنة 431م.
هذا - ويزعم بعض العلماء الذين يؤيدون قِدم إنجيل برنابا أنه من المفترض إستبدال عبارة "ومعه نسخة من إنجيل متى على صدره" بعبارة "ومعه نسخة من إنجيله على صدره" ؛ إلا أن هذا الافتراض يختلف مع رواية ساويرس الأنطاكي حول الإنجيل الذي وجده أنثيميوس ، والذي قال بأنه فحصه ح. 500م ليرى إن كان يؤيد طعن يسوع المصلوب بالحربة كما في إنجيل متى 27:49 (ولم يجد).
هذا - وفي إطار السياق ذاته ، فقد زعم المؤرخ البيزنطي غيورغيوس كيدرينوس ، و الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي ، أن نسخة إنجيل متى التي عثر عليها أنثيميوس كانت لا زالت باقية في عهده ، ومحفوظة في كنيسة القديس إسطفانوس في القصر الإمبراطوري في القسطنطينية.
وقد تناولت هذه المخطوطة ، ذكراً لنبؤة ورد في الإنجيل ، تُبشر بقدوم النبى محمد، ووصفه الكاتب بقوله : "إنجيل القديس برنابا حيث يمكن للمرء أن يجد النور". كما نُشرت أول إشارة لنص هذا الإنجيل سنة 1717م ، عندما عندما أشار إدريان ريلند بإيجاز حول المخطوطة الإسبانية لهذا الإنجيل في كتابه «الديانة المحمدية»؛ وفي سنة 1718م، قدّم اللاهوتي الأيرلندي جون تولاند وصف أكثر تفصيلاً حول المخطوطة الإيطالية لهذا الإنجيل. ثم أشار جورج سيل إلى كلا النصين الإيطالي والإسباني سنة 1734م في كتابه «محاضرة أولية حول القرآن» ، فقال :
وقد ترجم المورسكيون في إفريقيا هذا الإنجيل للإسبانية؛ كما تحتوي مكتبة الأمير يوجين السافويي ، على مخطوطة قديمة بها ترجمة إيطالية لنفس الإنجيل، تٌرجمت، من المفترض ، ليستخدمها المرتدون.
هذا - ويبدو هذا السفر كما لو كان لم يتم تزويره على يد المحمديين ، على الرغم من أنهم بلا شك حرّفوه وغيّروه من أجل خدمة أهدافهم ؛ وخاصة إستبدالهم كل «بيركليت» أو «المُخلّص» الموجودة في هذا الإنجيل الملفق بكلمة «فارقليط» والتي تعني «الشهير» أو «المُنير»، والتي من خلالها يتظاهرون بأن الإنجيل تنبّأ بنبيهم بالإسم ، وأن هذه إشارة إلى إسم محمد بالعربية ؛ وهم يقولون ذلك لتبرير المقطع الذي أدخلوه في القرآن لينُصّ على أن يسوع المسيح تنبأ بمجي نبي من بعده إسمه أحمد ، وهو إسم آخر مشتق من الجذر نفسه الذى جاءت منه كلمة محمد وبنفس الأصل ».
وقد ترجم جون تولاند الإقتباس كالتالي: "يقول برنابا الرسول، يحدث أسوأ من ذلك للذي يتجاهل التحزبات الشيطانية ؛ لأنه بذلك يحصل على المزيد من الخطيئة"؛ وزعم بأنها تشبه عبارة وجدها في نسخة إنجيل برنابا الإيطالية التي فحصها في أمستردام قبل سنة 1709م. إلا أنه لم يستطع العلماء الذين فحصوا النسختين الإسبانية والإيطالية بعد ذلك من تحديد العبارة التي أشار إليها تولاند.
في ذات الصدد قال ميشيل فريمو أنه فشل في تتبع هوية المالك السابق للمخطوطة، أو العثور على قائمة في أمستردام أدرجت تلك المخطوطة في محتوياتها. ومع ذلك، توحي إشارة تولاند ، حول المالك السابق للمخطوطة إلى أنه كان شخصًا بارزًا من معارضي التثليث أو الموحدين ؛ خمّن فريمو أن المخطوطة وصلت أمستردام مع كريستوف سانديوس ربما مما جمعه من مقتنيات في بولندا ؛ أو مما إقتناه من أوراق جيوفاني ميشيل بروتو ، والذي جمع مجموعة ضخمة من المخطوطات الدينية في المجر وترانسيلفانيا.
وقد نشر كرامر نسخة من كتابات بروتو الدينية سنة 1698م ، كما خمّن فرميو أن كرامر ربما اطلع على إنجيل برنابا خلال بحثه في مكتبة سانديوس في أمستردام. وبخلاف ذلك، افترض سلومب أن غريغوريو ليتي الذي بيعت مكتبته في أمستردام في المزاد بعد وفاته هو المالك السابق للمخطوط الإيطالي. كان ليتي رغم عدائه للباباوية (وخاصة البابا سيكتوس الخامس) كالفيني أرثوذكسي الديانة.
الصفحات السابقة 5-42 هي أيضًا ضمن أطر حمراء؛ ولكنها فارغة (عدا تقديم من كرامر للأمير يوجين)، يمكن الاستدلال من ذلك أنه كانت هناك نية لإضافة نوعًا ما من التمهيد أو نص أوليّ، وإن كانت الصفحات الفارغة أكبر بكثير من حجم المقدمة التي أضيفت إلى مقدمة نظيرتها الإسبانية.
ولقد كانت هناك عناوين للفصول وملاحظات على الهوامش مكتوبة بلغة عربية لا تراعي القواعد النحوية؛ مع وجود لبعض كلمات بالتركية، والعديد من الخصائص النحوية المميزة للغة التركية. كما أن غلاف المخطوطة على النمط التركي ، وبدا كما لو كان أصليًا؛ غير أن أوراقها بها علامة مائية إيطالية ، يُعتقد أن تاريخها بين سنتي 1563-1620م. ناسخ المخطوطة هو من كتب كلاً من النص الإيطالي والملاحظات العربية ، ومن الواضح أنه إعتاد الكتابة من اليسار لليمين.
في أسفل كل صفحة هناك كلمة بادئة للصفحة التالية ، وهو أسلوب شائع في المخطوطات المُعدّة للطباعة. ويبدو أن المخطوطة غير مكتملة ، حيث تحتوي على مقدمة و222 فصل تحُدّها أُطُر فارغة لعناوين الأسماء ، لم يُملأ منها سوى 28 إطار.
تُعد المخطوطة الإيطالية الأصل الذي اعتمدت عليه النسخة الإنجليزية الأكثر تداولًا، والتي تمّ ترجمتها على يد لونسدال ولورا راج ونُشرت سنة 1907م.
وفي السنة التالية ، تُرجمت للعربية من النسخة الإنجليزية على يد محمد رشيد رضا في طبعة نُشرت في مصر.
مما يُظهر أن الكاتب لم يكن محترفًا. ومع ذلك، ورغم أن قواعد الإملاء وعلامات الترقيم تشير إلى أنها مكتوبة في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي، وبها بعض الخصائص الرئيسية التي تُميّز كتابات أهل مدينة البندقية. إلا أن لهجة الكتابة تشير إلى أسلوب أهل منطقة توسكانا؛ كما تُظهر بعض الخصائص المميزة لكتابات أواخر عصر القرون الوسطى (القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين).
ويرجّح الخبراء اللغويون الذين استشارهم المترجمين راج أن مخطوطة فيينا على الأرجح من نسخ كاتب بندقي قديم، قام بنسخ نص توسكاني الأصلي في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي.
وقد إستعار سيل المخطوط من الدكتور جورج هولم الذي شغل منصب عميد كلية هيدلي في هامشاير من سنة 1718م وحتى وفاته سنة 1765م. حصل سيل على نسخة مخصوصة له من المخطوط ، ثم أعاد الأصل للدكتور هولم؛ وأوصى الدكتور هولم بأن تنتقل ملكية المخطوط لكلية الملكة في أوكسفورد ، عندئذٍ ، إنتقل المخطوط مع ترجمة إنجليزية له إلى الدكتور توماس مونكهاوس في كلية الملكة ، الذي أعار بدوره المخطوط مع الترجمة للدكتور جوزيف وايت الذي إستخدمهما لتقديم سلسلة محاضرات بامبتون سنة 1784م. اعتقد سيل أن المخطوط الإسباني ذو أصل إفريقي، لكنه لم يشرح كيف حصل الدكتور هولم عليه؛ إلا أنه من المعروف أن الدكتور هولم كان كاهنًا للمصنع الإنجليزي في الجزائر بين سنتي 1707-1709م، ربما كان ذلك سبب اعتقاد سيل أن منشأ المخطوط إفريقي. ومن غير المعروف لمن انتقل المخطوط الإسباني بعد وفاة الدكتور مونكهاوس سنة 1792م.
وبمقارنة مخطوط سيدني بمخطوط سيل الإسباني، لا تظهر هناك فوارق جوهرية ، ولكن يبدو أنه في الفترة من وفاة سيل سنة 1736م وحتى سنة 1745م، فُقد نحو 80 فصلاً من نص مخطوطه الإسباني ؛ وبالتالي فهي مفقودة في مخطوط سيدني.
وهناك خطاب مورسكي كُتب ح. 1630م محفوظ الآن في مدريد ، يؤكد أن دي أراندا كان معاونًا لإبراهيم الطيبيلي، ال وُجد بإسمه أقدم نسخ الإنجيل الإسبانية.
كما ذكر مترجم النسخة الإسبانية ملاحظة في بدايته تشير إلى شخص بالاسم المستعار 'Fra Marino' ، يزعم أنه سرق نسخة من الأصل الإيطالي من مكتبة البابا الكاثوليكي سيكتوس الخامس.
في ذات الصدد - كتب فرا مارينو - والذي من الواضح أنه كان يشغل منصبًا كُنسيًّا في محاكم التفتيش - أنه آلت إليه ملكية العديد من الأعمال دعته للإيمان بأن النصوص الكنسية فسدت ، وأن الأعمال الرسولية الحقيقة استبعدت بالخطأ. كما زعم فرا مارينو أيضًا أنه تنبّه لوجود إنجيل برنابا، من إشارة في أحد أعمال إيرينيئوس المناهضة لبولس؛ قدّمت له امرأة من أسرة كولونا. كانت مارينو الإيطالية خارج روما دولة تحكمها أسرة كولونا، حيث بنى الكاردينال أسكانيو كولونا المقرّب من البابا سيكتوس الخامس ومن فيليب الثاني ملك إسبانيا قصرًا هناك في نهاية القصر السادس عشر الميلادي.
إرسال تعليق