في عهد البابا " يؤانس السابع عشر " ـ مُنعت بقرار سلطاني ، عادة إستلام الصليب من يد السلف الميت ، لأنه فزع منه ، وفي أثناء بطريركيته بنى كنيستين إحداهما في دير الأنبا انطونيوس والأخرى في دير الأنبا بولا.
أزمة المطران القبطي المرشح لكرسي الحبشة
حدث في سنه 1743 م ، أن أرسل إمبراطور الحبشة وفدًا إلى هذا البابا ليرسم لهم مطرانًا عقب وفاة المطران خريستوزولوس مطران الحبشة ، وكان الوفد الأثيوبي مؤلفاً من ثلاثة أشخاص ، أحدهما قبطي ، وكان يدعى جرجس والآخران حبشيان إسم أحدهما تاوضروس والآخر ليكانيوس، ولما وصلوا إلى مصوع قبض حاكمها عليهم ، وسلب منهم نصف النقود التي كانت معهم ، وأكرههم على الإسلام ، فإختفي القبطي ، وإعتنق الإسلام ليكانيوس ، أما تاوضروس ، فرشا بالمال الذي كان معه الحراس وفر إلى القاهرة ، وطلب من البطريرك رسامة مطران لبلاده ، فأجيب إلى طلبة ، ورسم له البطريرك مطراناً في سنة 1745 م ، وعاد به إلى الحبشة ، إلا أنه وهو في طريق عودته صادف في مصوع ما صادفهم أول مرة ، وألقيا في السجن ، غير أن تاوضروس ، تمكن بحيلة أن يسهل إخراج المطران سراً ليفر إلى الحبشة ، ويرسل إليه مالاً دفعه ليخلى سبيله.
زيادة الضريبة المفروضة على الأقباط
وفي السنة التاسعة من رئاسة البابا " يؤانس السابع عشر " للكنيسة القبطية - أي في سنة 1451 ش - وردت الأوامر السلطانية بزيادة الضرائب في أرض مصر علي النصارى واليهود ثلاثة أضعاف مقدارها ، فكانت ضرائب الطبقة العالية أربعة دنانير والمتوسطة دينارين والأخيرة ديناراً واحداً ، ثم زيدت بعد ذلك وفرضت علي فئة القسوس والرهبان والأطفال والفقراء والمتسولين ، ولم يستثنوا منها أحداً ، وكان الملتزمون بتحصيلها يحصرون سنوياً من قبل السلطان ، فكانت أيامه شدة وحزن علي أرباب الحرف والفقراء
لقد إشتد الكرب على الأقباط في خلال فترة باباوية البابا " يؤانس السابع عشر " ، فقد زيدت الجزية ، بل فرضت على من كانوا يعفون ، منها فكان يدفع عن الرهبان والكهنة والصبيان والفقراء.
عودة محاولات الكاثوليك لضم
الكنيسة القبطية
في خلال فترة جلوس " يؤانس السابع عشر " على السدة المرقسية ، حدث أن تمكن المرسلون الكاثوليك ، الذين دخلوا مصر في فترة كان الأقباط فيها يتجرعون كؤوس المرارة من جراء إثقال كاهلهم بالأعباء المالية من قبل السلطة العثمانية الحاكمة ، لينتهزوا هذا الكرب ، ويدخلوا البلاد ، ويجعلوا لهم مراكز في جنوب البلاد في المنيا وأسيوط وأبو تيج وصدفا وأخميم وجرجا والأقصر وأسوان ، وفي دير النوبة أيضًا.
وفي عام 1731 م - أرسل البابا كلمنت الثاني عشر بابا روما يحض رؤساء إرسالياته هذه على بذل أقصى جهودهم في إرسال أبناء الأقباط ، ليتعلموا في روما ليعودوا إكليريكيين كاثوليك ، إلا أنهم فشلوا في ذلك حتى بعد أن لجأوا إلى أساليب التهديد والإنضمام إلى الولاة ضد الأقباط ! .
- وإزاء هذا الفشل أرسل بابا روما صراحة ، وفي تبجح إلى الأب البطريرك يوحنا على يد الكاردينال بلوجا - أحد المرسلين الكاثوليك - يطلب منه أن يقبل هو وكنيسته الخضوع لسلطانه، ولكن هذه الدعوة رفضت بالطبع.
- وفي عهد بابا روما التالي وهو بندكت 14 إنكسر وجود اتحاد بين كنيسة الأقباط وبين الكنيسة الكاثوليكية ، وأقفل باب الدعوة لهذا بالشكل الودي ، ولجأ إلى أسلوب آخر، فقد كان بمدينة القديس قس قبطي كاثوليكي إسمه القس أثناسيوس ، فرسمه مطرانا في 1741م على مصر ، إلا انه خشي المجيء إليها لتربص الأقباط به ، فظل في أورشليم ، وكان له نائب في مصر هو القس يسطس المراغي ، وكان يوجد أيامها شاب قبطي إسمه روفائيل الطوخي من جرجا أخذه الكاثوليك بالقوة ـ وهو صغير ، وأرسلوه ليدرس اللاهوت في روما ، وبعد إتمام دراسته ، عينه الأسقف الكاثوليكي أسقفًا على الفيوم ، ثم إستدعاه إليه ثانية ليساعده في تأليف كتب باللغة القبطية ، وتصحيح كتب الطقوس الكنسية.
وفي السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر الميلادي ، تمكن الكاثوليك من إستمالة أسقف جرجا القبطي إلى مذهبهم ، ولما مال إليهم حرم من الكنيسة القبطية، بل ونقم المسلمون عليه أيضًا ، فهرب إلى روما ، حيث ظل بها إلى أن مات في سنه 1807م .
كان من نتيجة الغزو الكاثوليكي الهمجي على الأقباط ، وإنضمام بعض الأقباط إليهم أن نشأ نشوز بين أفراد العائلات ، وظهرت الإنقسامات بسبب الشركات والأموال والزواج واشتكى كبار الكتاب لمخدوميهم من الأمراء ، من سوء تصرفات الكهنة الكاثوليك وتعديهم على حقوق بطريركهم ، فعقد لذلك مجلس بحضورهم وحضور البطريرك القبطي وقسيس الكاثوليك بالمحكمة الشرعية الكبرى ، وبعد سماع أقوال المشتكين واحتجاج المشتكي عليهم ، تقرر التصريح لبطريرك الأقباط باستعمال السلطة الدينية على أبناء مِلته ، والتصرف فيهم بما توجبه قوانينه المرعية ، وعدم التعرض له، أو التعدي على حقوقه ، وتحررت بناء على ذلك حجة من المحكمة ، وسُلمت ليد البطريرك.
وقد نشر المندوب الكاثوليكي الباباوي بمصر رسالة على جماعة الكاثوليك الذين كانوا كلهم في الوجه القبلي ، وذلك تنفيذًا للمعاهدة التي تمت بينه وبين البطريرك القبطي سنه 1794 م ، عند معتمد دولة النمسا ، وفيها يوص الأقباط الذي دخلوا الكاثوليكية بمدن : جرجا - أخميم - فرشوط - نقادة ، بذلك الإتفاق الذي عُقد بينه بصفته رئيس عام رهبان المرسلين الكاثوليك والخواجة كركور وشتى - قنصل النمسا ، والأب اكليندس رئيس عام سابق ، وبين البطريرك أنبا يؤانس ، والمعلم إبراهيم الجوهري والمعلم جرجس أخيه رؤساء طائفة الأقباط بمصر ، وكان الإتفاق على ما يأتي :
- أولًا: المتزوجون من الفريقين لهم حرية الصلاة في أية كنيسة أرادوها : قبطية كانت أم كاثوليكية.
- ثانيًا: من الآن فصاعدًا لا ينبغي أن يتزوج الأقباط من الكاثوليك ، ولا الكاثوليك من الأقباط.
- ثالثًا: لا يدخل قسوس الكاثوليك بيوت الأرثوذكس ليكرزوا لهم ولا قسوس الأرثوذكس بيوت الكاثوليك.
- رابعًا: لا ينبغي أن يحدد لأحد كنيسة معينة يصلي بها، بل يترك لكل واحد حق اختيار الكنيسة التي يحب أن يصلى فيها.
- خامسًا: لا يصح فيما بعد إذا حدث خلاف أن يرفع الأمر إلى رجال الحكومة بل إلى الرؤساء من الكنيستين، ولهم حق مقاطعة المعتدى.
ولما بلغ السلطان العثماني أن الإرساليات الكاثوليكية - وهى بالطبع أجنبية في نظرة - بدأت ترسخ أقدامها في البلاد ، خشي امتداد سطوة الأجانب في بلاده ، فأرسل إلى بطريرك الكنيسة اليونانية ، وطلب منه أن يحذر جميع أفراد رعيته من دخول الكنائس الكاثوليكية وكان معظم الذين إعتنقوا المذهب الكاثوليكي من السوريين الذين أرادوا أن يحتموا بهذا المذهب من تعدى المسلمين عليهم ، وسن السلطان غرامة ألف كيس على الذين يذهبون لمعابد المرسلين اليسوعيين ، فجمع السوريون هذا المبلغ وسلموه للسلطان وفيما بعد قبض أحد أمراء المماليك على أربعة من المرسلين الكاثوليك، ولم يفرج عنهم إلا بعد أن دفعوا غرامه كبيرة.
وهكذا عانت الكنيسة في أيام هذا البطريرك الكثير من هؤلاء الكاثوليك إلى أن تنيَّح في 1745 م.
إرسال تعليق