مقدمة
مما يُعرف عن البابا " غبريال الثاني " ، أنه قبل إرتقاءه الكرسي الباباوي المرقسي ، كان من أكابر مصر ، وكان عمله الأصلي هو " كاتب " ، أو " ناسخ " .
وقد كان إسمه الحقيقي هو " أبو العلا صاعد بن تريك " ، نشأ في أسرة مسيحية مُحبة لله وللكنيسة ، وعلى الرغم من كونه قد نشأ نشأة كريمة ، إلا أنه فَضٌلَ حياة التقشف والزهد ، كما عاش أبوه ، وكان يعمل في ديوان الإنشاء أيام الحافظ لدين الله الفاطمي ، ووقع من نفسه موقعًا قريبًا ، فكان متدينًا ومن كبار الموظفين في نفس الوقت ، وكان رئيسه الوزير أحمد بن الأفضل - حفيد بدر الجمالي .
وقد إتصف بالزهد والتقوى والورع والعطاء بسخاء وحفظ الكثير من الألحان ، وأجزاء من الكتب المقدسة بجانب عمله في الديوان الذي إشتهر عنه فيه الكفاءة وعفة اللسان وطهارة اليد.
الجلوس على الكاتدراء المرقسي
لقد تم ترشيح " غبريال إبن تريك " ، للكرسي الباباوي المرقسي بعد نياحة البابا " مقاريوس الثاني " ، ليصبح هو البابا السبعون في باباوات الكنيسة العظمى الأسكندرية.
ومما عرف عن البابا " غبريال الثاني " أيضاً - أنه لم يأخذ درهمًا واحدًا من أحد ، ولا وضع يده علي شيء من أموال الكنائس ، ولا أوقاف الفقراء ، ولما طالبه حاكم ذاك الوقت بمال ، جمع له الأراخنة ألف مثقال ذهب ودفعوها عنه.
وقد ورد في بعض المصادر التاريخية ، ما يفيد أن بعض الآباء ، كانوا قد شاهدوا رؤي تشير إلى إختيار أبو العلا صاعد بن تريك بطريركاً ، فرسم في 5 أبريل 1131 / 9 أمشير 847 شهداء بإسم غبريال إبن تريك .
الإهتمام برسامة الأساقفة والكهنة
منذ توليه مسئوليات الرئاسة الأسقفية لكنيسة الأسكندرية ، قام البابا " غبريال إبن تريك" - برسم في أيامه 53 أسقفاً وكهنة كثيرين للأيبارشيات القبطية ، كما لم يدع هذا البابا لنفسه أي سلطة على أموال الكنائس وأموال إعانات الفقراء.
الإهتمام بوضع القوانين الكنسيٌة
من جملة إهتمامات البابا " غبريال الثاني " - أنه قام بوضع قوانين وأحكاماً في المواريث ، وغيرها وتفاسير كثيرة - ويأتي مجموع ماتم وضعه من قوانين وكتب مختلفة في هذا الشأن على النحو المبين كالتالي :
أ - أصدر أوامر بمنع دفن الموتى بالكنائس لدرجة أنه أمر بإغلاق كنيسة حارة الروم لأن شعبها خالف تعليماته ودفن قمصا فيها ، ولكنه عاد بناء على رجاء الأراخنة فيها، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أنه حمل جسد الأنبا مكاريوس سلفه إلى دير أبو مقار، وكان مدفوناً في الكنيسة المعلقة
ب - أصدر قانون طقسي ينظم تقديم ذبيحة على إسم الملاك ميخائيل ، لأن الذبيحة لا تُقَدِّم إلا على اسم الله .
جـ - أصدر قرار بمنع الكهنة من شرب الخمر .
د - أصدر قرار بمنع السحر والشعوذة والتنجيم والتسري .
وبخصوص التسري - فقد إمتنع بعض الأغنياء عن تنفيذ تعليماته في هذا الشأن فدعا عليهم، فلم ينقض زمن طويل حتى بادوا جميعاً .
هـ - أصدر قرار لمحاربة السيمونية .
الإهتمام بوضع المؤلفات الكنسيٌة باللغتين العربية والقبطية
كان البابا " غبريال الثاني " - عالماً جليلاً ، وكاتبًا قديراً ، حيث أنه قام بنسخ العديد من الكتب في الطقوس الكنسيٌة باللغتين القبطية والعربية - ويمكن بيان ما قام البابا " غبريال الثاني " بوضعه من كتب طقسية وتفاسير وقوانين كنسية على النحو التالي تفصيلاً :
من أهم انجازاته الطقسية ترتيب طقوس أسبوع الآلام، وكانت القوانين الرسولية حتى زمانه تقضي بقراءة العهدين القديم والجديد مدة هذا الأسبوع بلا ترتيب بَيِّن، ولذا فقد كان غالبية الشعب يقرأها لذاته وحده، أي أنها لم تكن تُقرأ على مسامع جميع الشعب، فجمع هذا البطريرك العلماء ورؤساء الكهنة ، وبعض رهبان دير أبي مقار ووضع ترتيبًا ، وعمل كتابًا لذلك أسماه "البصخة المقدسة" ، ومن الأمور التي دفعته إلى ذلك أن أكثر مَنْ كانوا يعملون في دواوين الدولة كانت لا تمكنهم ظروفهم من استكمال هذه الخدمات ، ومما هو جدير بالذكر أن كتاب "البصخة المقدسة" نظمه بصورة أدق الأنبا بطرس أسقف كرسي البهنسا (بجوار بنى فرار الآن).
كان البابا غبريال بن تريك هو أول من أصدر أمره إلى جميع الكنائس بقراءة الأناجيل والخطب الكنسية وغيرها باللغة العربية في الكنائس ، وذلك بعد قراءتها باللغة القبطية، لأنه وجد أن الجميع يتكلمون اللغة العربية ، حتى يفهم المصلى ما يقرأ.
كما ألَّف هذا الأب عدة مؤلفات منها (علم الكنيسة) ، وله عدة كتب في تفسير الكتاب المقدس.
ب - القوانين الكنسيٌة لتنظيم الخدمة الليتورجية
كما قام " غبريال الثاني " بوضع كتاب خاص بتنظيم أشكال الخدمة داخل الكنيسة يمكن بيانه تفصيلاً على النحو التالي :
قام البابا " غبريال الثاني " ، بوضع كتاب يشمل 38 قانونًا تختص بتنظيم أمور البيعة (الكنيسة) ، وعلاقة الشعب بها دينيا ومدنيا ، وواجب الأساقفة نحو رعيتهم، وكذلك واجبات الكهنة ، ونهى عن سُكنى الرهبان في العالم ، بل أن يمضوا إلى أديرتهم.
وأيضًا وضع قانون ينص على عدم التقديس إلا بواحد من القداسات الثلاثة ( الباسيلي والغريغوري والكيرلسي ) ، كما ذكر الآباء الأساقفة بانعقاد المجمع المقدس مرتين كل عام، لكن حرصا على راحتهم أمر أن يحضر كل واحد من الأساقفة مرة واحدة في كل سنة إلى القلاية البطريركية للمناقشة في أحوال كرسيه.
جـ - قوانين خاصة بالإكليروس والأحوال الشخصية
وضع البابا " غبريال الثاني " ، مجموعة من الكتب التي تنظم قوانين الحياة داخل مجتمع الكنيسة القبطية ، ومنها ما يلي :
- كتاب يختص بتنظيم أمور الإكليروس.
- كتاب يختص بالمواريث.
الحروب الصليبية وإضطهاد المسيحيين في مصر
يقال أن الكرسي الباباوي المرقسي ، ظل خالياً بسبب حدوث بعض الإضطرابات السياسة داخل مصر على إثر قيام الحملة الصليبية بالهجوم على مصر في فترة متأخرة من عهد باباوية البابا " مقاريوس الثاني " البابا السابق له ، وأن الكرسي الباباوي ظل خالياً ممن يشغله على مدى عامين متتالين ، وفي عام 1231م ، تم ترشيح " غبريال إبن تريك " - كبطريركًا للكرسي الباباوي المرقسي ، وكان جلوسه على الكرسي الباباوي المرقسي في 9 أمشير سنة 847 ش.
كما إلقد أدت الصراعات مابين الجيوش العربية الإٍسلامية والجيوش الصليبية ، إلى تفاقم الأزمات والإضطرابات الداخلية في عديد من الدول – من ضمنها مصر – حيث إزدادت حدة الكراهية للمسيحيين في داخل الأوساط الإسلامية في مصر ، ومما زاد الأمر تعقيداً – أن قام إثنين من المسئولين الكارهين للمسيحيين ، أحدهما مسلم ، وهو ابن أبي قيراط، والآخر سامري ويدعى إبراهيم ، فلجأ إلى تضليل الخليفة بالقول بأن الأقباط جمعوا أموال الكنائس، وأعطوها للفرنجة لمساعدتهم، وإزاء هذا أمر الخليفة بمصادرة أي أموال قبطية ، سواء كانت خاصة بالكنيسة أو بأفراد الأقباط ، وظل الحال كذلك حتى قتل احدهما في ظل الفوضى التي سادت البلاد ، وبعد ذلك ، وبواسطة سمح الوزير حفيد بدر الجمالي برسامة بطريرك للأقباط.
أما عن علاقته بالدولة ، فكانت طيبة رغم عدم إستقرارها بسبب الحملات الصليبية وما تبعها من إضطراب الأمن وكثرة القلاقل وقتل الأثرياء ورجال الدولة، كما تميزت بكثرة الصراع بين المسلمين ورجال الجالية الأرمنية ، والتي كان قد جلبها بدر الجمالي لأنه قتل البطريرك الأرمني وأحرق دير للأرمن بمن فيه من الرهبان، ونهبت كنائس الأقباط.
وصدر أمر بعدم إستخدام المسيحيين في الدواوين ، وعادوا إلى مسألة شد الزنار على أوساطهم وعدم ركوبهم الخيول ، وضوعفت عليهم الجزية .
كرسي مصر ينضم إلى الأسكندرية
في خلال فترة جلوس غبريال الثاني على الكاتدراء المرقسي ، قام بضم كرسي مصر إليه دون إعتراض بعد نياحة الأسقف الأنبا يؤنس بن سنهوت ، بل وأن الشعب كان موافق على هذا.
رهبان دير مقار الكبير يحاولون إحياء بدعة أوطاخي
لقد حدث أن قام البابا " غبريال الثاني " أثناء رئاسته لصلاة أول قداس إلهي يقيمه بعد جلوسه على الكاتدراء المرقسي في دير القديس مقاريوس كعادة البطاركة قديمًا - أن أضاف علي الإعتراف الذي يتلى في آخر القداس بعد قوله : " أؤمن وأعترف إلى النفس الأخير أن هذا جسد إبنك الوحيد الجنس ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي أخذه من سيدتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم "هذه العبارة" ، وصيره واحداً مع لاهوته ".
فأنكرها عليه الرهبان خشية أن يفهم من ذلك أنه حصل إمتزاج ، وطلبوا منه تركها فإمتنع قائلاً : "أنها أضيفت بقرار من مجمع الأساقفة " .
وبعد مباحثات طويلة تقرر إضافة هذه الجملة "بدون إمتزاج ولا إختلاط ولا تغيٌير"، وذلك خوفاً من الوقوع في هرطقة أوطيخي ، فوافقهم علي ذلك .
إرسال تعليق