✝📖✝️ موسوعة الكتاب المقدس ✝️📖✝
| الجزء الأول : العهد القديم |
(( أولاً - الأسفار الموساوية الخمسة
📖 ))
1 - سفر التكوين 📙
مقدمة عن تاريخ كتابة السفر وكاتبه
لقد قام "موسى النبى" بكتابة [ سفر التكوين ] ، ضمن 4 كتب أخرى ينسب له كتابتها أيضاً تعرف بإسم " التوراة " لدى اليهود ، و " الأسفار الموساوية الخمسة " لدى المسيحيين في الشرق والغرب . يرجع تاريخ كتابة سفر التكوين إلي أكثر من 1000سنة قبل الميلاد ، في هذا الصدد - كتب موسى رواية الخلق بالعبرانية ، وقد دوّنها بإرشاد الوحي المقدس ، وليس وجهة نظر يعيش على الأرض يعتمد على معطيات مواهبة الشخصية الخاصة ، وقدراته أو مهاراته في الكتابة أوالتأليف .
وسوف نقوم بمشيئة الرب من خلال هذا المقال - أن نحيط بشئ من التفصيل ، الإصحاح الأول من سفر التكوين . ولكننا سوف نستهله بمقدمتين رئيسيتين كما يلي على النحو التالي :
القسم الأول : مقدمة الكاتب الإفتتاحية
أحداث سفر التكوين من منظور العلم
أولاً - سفر التكوين وعُمر الأرض
يُقدّر علماء الجيولوجيا أن عُمر الأرض يبلغ نحو أربعة بلايين سنة ، بينما عُمر الكون وفقا لحسابات الفلكيين فهو خمسة عشر بليون سنة تقريباً ، فهل يتناقض هذان الإستنتاجان ، والتحسينات التي قد يُدخلها العلماء إليهما في المستقبل ، مع ما ذكره سفر التكوين في هذا الصدد ؟ . الإجابة : لا ..، لأن الكتاب المقدس لم يحدد العمر الفعلي ‹ للسموات والارض › . وبناء على ذلك ، فالعِلم إذًا لا يتعارض مع نص الكتاب المقدس.
ثانياً – سفر التكوين وفترة أيام الخلق 📜
ماذا عن طول الأيام الخلقية ؟ هل كان كل يوم مؤلفاً من ٢٤ ساعة حرفية؟ يدّعي البعض أن طول كل يوم خلقي هو ٢٤ ساعة حرفية، ذلك لأن موسى، كاتب سفر التكوين ، أشار لاحقاً الى اليوم الذي تلا الايام الخلقية الستة واعتبره نموذجا للسبت الأسبوعي. (خروج ٢٠:١١) ، فهل يُجيز لنا نص سفر التكوين ، إمكانية التوصل إلى هذا الإستنتاج؟ .هذا - وقد يتساءل البعض كم يبلغ طول الأيام الخلقية ؟ ، ولكن في واقع الأمر لم يزودنا الكتاب المقدس بالجواب ، ولكنّ نص التكوين يشير في الاصحاحين : [ ١ و ٢ ] ، إلى أن هذه الأيام شملت فترات طويلة من الزمن.كلا ، فالكلمة العبرانية المترجمة الى «يوم» يمكن ان تشير الى فترات زمنية مختلفة، وليس فقط الى فترة مؤلفة من ٢٤ ساعة - فعلى سبيل المثال - حين لخّص موسى النبي ، عَمَلَ الله الخلقي ، أشار الى كل الأيام الخلقية الستة على أنها يوماً واحداً. (تكوين ٢:٤) من الواضح إذًا ان ما من مبرّر في الاسفار المقدسة يسوّغ الادعاء ان طول كل يوم من الأيام الخَلقية هو ٢٤ ساعة فقط ، ولعل درايتنا بهذين الأمرين ، فضلاً عن معرفتنا ان الكون وُجد قبل بداية الفترات او الايام الخلقية ، كانا قد أسهما بدورهما في حل الكثير من الجدل الدائر حول رواية الخلق كيف ذلك؟ ، وجدير بالذكر أن بعض تلك الحوادث كانت تبدأ في أحد «الأيام» الخلقية وتستمر في «اليوم» او «الايام» التالية : إن التأمل بعناية في رواية التكوين يكشف ان بعض الحوادث كانت تبدأ في احد «الايام» الخلقية وتستمر في «اليوم» أو «الايام» التالية. على سبيل المثال، قبل ان يبدأ «اليوم» الخلقي الاول ، ربما كانت الغيوم الكثيفة السبب في حجب النور القادم من الشمس التي كانت موجودة أساساً ، فلم يبلغ سطح الأرض. (أيوب ٣٨:٩) ، ولكن خلال «اليوم» الأول ، بدأ هذا الحاجز ينقشع شيئاً فشيئاً سامحاً بالتالي للضوء المُنتشر أن يخترق الغلاف الجوي.
القسم الثاني : تفسير سفر التكوين
بدء مراحل الخلق
اليوم الأول : ( 1- خلق السموات والأرض )
يقول سفر التكوين - في إفتتاحيته : " في البدء خلق الله السموات والأرض " - أي أن الله هو خالق الكون.ولن ندخل في تفاصيل إثبات هذا الأمر ، أو الرد على القائلين بأنه وهم، أو موجود تلقائيًا أو أزليًا ، ولكن إن أَرَدت معلومات أكثر عن هذا الموضوع ، إتصل بنا وسوف نقوم بإضافتها.وفي البداية نجد أن الكتاب عندما يتحدث عن خلق السماء يذكرها بصيغة الجمع "السموات".أولاً : حيث طبقاتها المختلفة ؛ فمنها سماء الطيور ، والتي يوجد فيها الهواء، وسماء النجوم.ثانيًا : لحديثه الشامل عن السماء المادية ، والسماء الروحية كالفردوس وسماء السموات.كما يُلاحَظ إشتراك أنبياء آخرين في تأكيد حقيقة خلق الله لكون. فيخاطب داود النبي الله قائلاً : "مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ" (سفر المزامير 102: 25). وكلمه "قدم" تؤكد عبارة "في البدء" التي ذكرها موسي النبي، وتعني ما قبل الحياة بصفة عامة..وكذلك إشعياء النبي يقول: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ" (سفر إشعياء 45: 18). وهنا في هذه الآية التي دونها إشعياء النبي في الكتاب المقدس يكشف لنا عمقًا علميًا عجيبًا يتماشى مع أحدث النظريات العلمية الخاصة بتكوين الكون ؛ فيقول عن الله أنه خالق السموات أما عن الأرض فيقول أنه مصورها وصانعها.وهنا نلاحظ ملاحظتين:الملاحظة الأولى : إنه يذكر عملية خلق السموات قبل أن يتحدث عن الأرض، وهذا ما يتوافق مع ما جاء بالإصحاح الأول من سفر تكوين، بل وما يتفق تمامًا مع الحقائق العلمية.. فالأرض أُخِذَت من أصل نجمي موجود، حيث تم انفصالها منه، مما يؤكد وجود فاصل زمني بين تكوين الأرض والشمس.الملاحظة الثانية : عندما يتحدث عن السماوات يقول: "خلق"، أي أوجدها من العدم. إلا أنه عندما يتحدث عن الأرض وإن كان يذكر أنه خلقها كما في (تك1)، إلا أنه يضيف في أشعياء 45 عبارة "صانعها". وكل صانع شيء لا يصنعه من لا شيء بل من شيء آخر يصنعها، من شيء أولي كما تُصنَع المعدات من خاماتها المتعددة كالحديد والنحاس.. إلخ. وكما يُصنَع الخزف من الطين، هكذا أُخِذَت الأرض وصُنِعَت من المادة الأولية للمجموعة الشمسية ، والتي كانت سديمًا مثلًا أو نجما آخرًا. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). وهذا يوضح دقة تعبير الكتاب المقدس، والذي يبرز التوافق العجيب بين ما جاء فيه وبين الحقائق العلمية الحديثة، وإن كان كتابنا المقدس يذكرها بأسلوب بسيط خال من المصطلحات العلمية التي لا يفهمها الكثيرون. وهذا يؤكد صحة الكتاب المقدس، بل أن الذي أوحى به لكاتبيه هو الله نفسه.تابع اليوم الأول : ( 2- خلق النور والحرارة ) ، لقد كانت الأرض قبل بدء الخليقة مغمورة " خَرِبَة " ، غير مأهولة بالسكان من أي نوع من أنواع الكائنات الحية ، وذلك بسبب أن درجة حرارتها وقت أن انفصلت عن مصدرها النجمي كانت حوالي 6000 درجة ، وهي كدرجة حرارة سطح الشمس حاليًا.. وفي هذه الدرجة تكون العناصر حرة ولا يوجد بها مركبات كيميائية.ومع إنخفاض درجة حرارة الأرض تدريجيًا ، بدأ الإتحاد بين العناصر لتكوين المركبات ، فعندما وصلت درجة الحرارة إلى 400 درجة، تم اتحاد الأكسوجين مع الهيدروجين مكونًا جزئي الماء من ذرتين هيدروجين وذرة أكسجين ، وبتكوين الماء بدأ يتجمع على سطح الأرض ، ولكنه لا يلبث ويتبخر مرة أخرى إلى مسافات قد تصل إلى بضعه أميال نتيجة لإرتفاع درجة الحرارة ، ومع تلامس الأبخرة بالفضاء يتكاثف البخار ويعود إلى سطح الأرض على هيئة مياه لتغطي هذه المياه سطح الأرض (الغمر) ، وتعود المياه ، فتتبخر مرة أخرى بتأثير الحرارة، ثم تتكاثف.. وهكذا تتكرر العملية مما يسبب الآتي:أولاً - غمر الأرض بالمياه مما أدى إلى تسميتها "غمراً ".ثانياً - المشاركة في جعل الأرض مظلة ، والتي يرجع ظلامها في ذلك الوقت إلى عاملين:العامل الأول : هو ذلك السُمك الهائل من الأبخرة التي تحيطا بالأرض فتفصلها عن الضوء الخارجي.. ويحدث هذا حاليًا أحيانًا مثلما نراه في حالات "الشبورة"؛ حيث أن جزيئات بخار الماء تعمل على انكسار أشعة الضوء مما لا يسمح للضوء أن يصل إلا لمسافات قصيرة ، ويمكن ملاحظته كذلك عندما تمر سحابة أسفل الشمس فتحجب عنا الضوء، وهذا ما كان يحدث بالفعل في بداية تكوين الأرض، ولكن بصورة أكبر نتيجة لذلك السمك الهائل من الأبخرة.العامل الثاني : يرتبط بمصدر الضوء نفسه (الشمس في مراحل تكوينها الأولى) والتي لم تكن قد وصلت إلى كمال قوتها بعد.ومن هنا كانت عبارة سفر التكوين " ، وكانت الأرض خربه وخاليه وعلى وجه الغمر ظلمة" ، والتي قد عبر عنها ارميا النبي بقوله : "ونظرت إلى الأرض وإذا هي خربة وخالية ، وإلى السموات فلا نور لها" (إر23:4) مما يعطي إحساسًا بالروح الواحد الذي يحرك كاتبي الكتاب المقدس ألا وهو روح الله القدوس.ويلاحظ في هذا النص :
أولاً : إلي سنوات قليلة كان بعض العلماء يتعثرون في هذه العبارة قائلين كيف ينطلق النور في الحقبة الأولي قبل وجود الشمس ، إذ كان الفكر العلمي السائد أن النور مصدره الشمس ، لكن جاءت الأبحاث الحديثة تؤكد أن النور في مادته يسبق وجود الشمس ، لهذا ظهر سمو الكتاب المقدس ووحيه الإلهي، إذ سجل لنا النور في الحقبة الأولي قبل خلق الشمس ، الأمر الذي لم يكن يتوقعه أحد.في إختصار يمكن القول بأن الرأي العلمي السائد حاليًا أن مجموعتنا الشمسية نشأت عن سديم لولبي مظلم منتشر في الفضاء الكوني إنتشارًا واسعًا (السديم هو سحابة من الغازات الموجودة بين النجوم) ، ولذلك - فمادة السديم خفيفة جدًا في حالة تخلخل كامل، لكن ذرات السديم المتباعدة تتحرك بإستمرار حول نقطة للجاذبية في مركز السديم، وبإستمرار الحركة ينكمش السديم فتزداد كثافته تدريجًا نحو المركز، وبالتالي يزداد تصادم الذرات المكونة له بسرعة عظيمة يؤدي إلي رفع حرارة السديم. وباستمرار ارتفاع الحرارة يصبح الإشعاع الصادر من السديم إشعاعًا مرئيًا، فتبدأ الأنوار في الظهور لأول مرة ولكنها أنوار ضئيلة خافتة. هكذا ظهر النور لأول مرة قبل تكوين الشمس بصورتها الحالية التي تحققت في الحقبة الرابعة (اليوم الرابع)... لقد ظهر النور حينما كانت الشمس في حالتها السديمية الأولي ، أي قبل تكوينها الكامل ، والعجيب أن كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم في القرن الرابع جاءت مطابقة لإكتشافات القرن العشرين ، إذ قال: [نور الشمس التي كانت في اليوم الأول عارية من الصورة وتصورت في اليوم الرابع للخليقة ، و ربما حمل القديس أغسطينوس نفس الفكر حينما قال إن النور هنا في اليوم الأول ليس بالصادر عن الشمس لكنه ربما يكون نورًا ماديًا يصدر عن أماكن علوية فوق رؤيتنا.
ثانياً : من الجانب الرمزي يري القديس أغسطينوس أن هذا النور خاص بالمدينة السماوية المقدسة التي تضم الملائكة القديسين، وفيها ينعم المؤمنون بالأبدية ، هذه التي قال عنها الرسول إنها أورشليم العليا، أمنا الأبدية في السموات (غلا 4: 26) ، والتي يكون لنا فيها نصيب، إذ قيل: "جميعكم أبناء نور وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة" (1 تس 5: 5). يري القديس أن السمائيين تمتعوا بالنور الذي انطلق في اليوم الأول بمعاينتهم أعمال الله العجيبة خلال كل الحقبات، لكنه متى قورنت معرفتهم للخليقة بمعرفة الله حُسبت معرفتهم مساءً ـ وهنا يُمكننا القول بأن أعمال الله بدأت بانطلاق النور حتى تري الملائكة أعماله ، فتمجده ، وهكذا في بداية الخليقة الجديدة أشرق الرب علينا بنوره الإلهي من القبر المقدس عند قيامته حتى إذ نقوم فيه يعلن مجده فينا. في خلقتنا الجديدة - في مياه المعمودية - ننعم بالنور الإلهي، نور قيامته عاملاً فينا، كأول عمل إلهي في حياتنا ، وهذا هو السبب في تسمية المعمودية "سر الاستنارة" .
ثالثاً : فصل الله بين النور والظُلمة لكي نقبل النور كأبناء للنور وأبناء للنهار ونرفض الظُلمة ، فلا نسقط تحت ليل الجهالة المهلك ، يهبنا الرب النور الداخلي ليبدد الظلمة القديمة، كقول الرسول: "لأنكم كنتم قبلاً ظلمة" ، يهبنا أيضًا روح التمييز فنفصل بروح الله بين النور والظلمة، فلا نسقط تحت الويل النبوي: "ويل للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا، الجاعلين الظلام نورًا، والنور ظلاماً ، الجاعلين المر حلوًا والحلو مرًا" (إش 5: 20).
رابعاً : ليست "الظُلمة" مادة مخلوقة أوجدها الله، بل هي حرمان من النور ، فبظهور النور انفضحت الظلمة وعُرفت. ومع هذا فكما يقول القديس أغسطينوس : " الله يأمر النور الذي خلقه والظلمة التي لم يخلقها ويطيعانه ".
خامساً : يري القديس هيبولتيس الروماني أنه [في اليوم الأول خلق الله الأشياء من العدم ، أما في الأيام الأخرى فلم يخلق بقية الأشياء من العدم وإنما مما خلقه في اليوم الأول بتشكيله حسب مسرته - هذا - وإن كان كثير من الآباء علق علي عبارة: "قال فكان" بأن الخلق كله خلال المراحل الست قد تم كثمرة للأمر الإلهي، فيقول القديس أمبروسيوس [، لم يخلق الله الأشياء بأدوات وفن ، وإنما قال فكان (مز 33: 9)، إذ تكمن قوة العمل في الأمر الإلهي ، ويقول القديس باسيليوس الكبير [الأمر في ذاته عمل.
سادسًا: يعلق القديس باسيليوس الكبير علي العبارة "ورأي الله ذلك (النور) أنه حسن" [٤، ١٢، ١٨، ٢١]... [الله لا يحكم بأن الشيء حسن خلال افتتان العين به ولا لتذوق الفكر لجماله كما نفعل نحن ، وإنما يراه حسنًا متي كان الشيء كاملاً، مناسبًا لعمله، نافعًا حتى النهاية - هذا - ولقد تحدث كثير من الآباء عن صلاح الخليقة... فقد "رأي الله ذلك أنه حسن"، لكن الإنسان بفساده أفسد إستخدام الخليقة الصالحة. لذلك إذ جاء السيد المسيح يجدد طبيعتنا الساقطة وكأنه يخلقها من جديد ، لا نعود نري في العالم شيئًا شريرًا. وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن الأشياء التي تبدو فاسدة كتلك التي إستخدمت في العبارة الوثنية : [ خليقة الله ليست دنسة ، فإن كانت قد صارت هكذا فلديك العلاج: إختمها " بعلامة الصليب " ، وقدم لله شكرًا ومجدًا فيزول عنها الدنس ].
سابعًا : يختم حديثه عن اليوم الأول أو الحقبة الأولي بقول "وكان مساء وكان صباح يوم واحدًا" ، بدأ بالسماء وختم بالصباح ، وفي التقليد اليهودي يبدأ اليوم بالعشية ليليها النهار. فإن كان المساء في نظر القديس أغسطينوس [يشير إلي الجسد القابل للموت، والصباح يشير إلي خدمة البر أو النور فإن المساء يسبق الصباح بمعني أن يكون الجسد خادمًا للبر ، لا البر خادمًا لشهوات الجسد. فإن كنا قد بدأنا حياتنا بالمساء فلننطلق بالروح القدس إلي الصباح فلا نعيش بعد كجسدانيين بل كروحيين.
ثامنًا: إذ نختم حديثنا عن إنطلاق النور نورد ما قاله القديس أغسطينوس عنه: [انه قد يشير إلي خلق السمائيين أي الملائكة بطغماتهم فقد خلقوا أولاً، وأن فصل النور عن الظلمة يشير إلي سقوط جماعة من الملائكة بالكبرياء فصاروا ظلمة. ويري القديس أن هذا الفصل تم قبل السقوط بسابق معرفة الله لهم ، وإن كان هذا الرأي غير مستحب، فالله لا يفصل إلا بعد السقوط.
اليوم الثاني : ( 1- خلق الجَلَد - " الغلاف الجوي " )
في «اليوم» الثاني ، يتبيّن أن الغلاف الجوي أصبح اكثر صفاء، مما افسح المجال لظهور الجلد الذي يفصل بين الغيوم الكثيفة في الاعلى والمياه في الاسفل. اما في «اليوم» الرابع ، فقد إزداد الغلاف الجوي صفاء الى حد ان رؤية الشمس والقمر «في جلد السماء» صارت ممكنة. (تكوين ١:١٤-١٦) بكلمات اخرى، بات باستطاعة شخص يعيش على الأرض ان يرى الشمس والقمر. وقد حدثت كل هذه الامور تدريجيا.
ربما يقصد بالجلد المنطقة التي فوق الأرض مباشرة التي تطير فيها الطيور وليس الفضاء حيث الكواكب " الغُلاف الجوي ".
ويمكننا أن ندرك طريقة تحقيق أمر الله إن علمنا أن الأرض كانت في غليان مستمر وبخار فكانت محاطة بغلاف بخاري كثيف.
وفي الفترة ما بين الحقبة الأولي والحقبة الثانية أخذت درجة الحرارة تهبط ، وبالتالي هدأ البخار ، وبدأ الجو يصير صحوًا. أما تسمية الجلد "سماء" ، فذلك من قبيل إطلاق هذه الكلمة علي ما هو سامٍ ومرتفع فوق الأرض.
هذا الجلد يفصل ما بين المياه التي من فوق أي السحب، والمياه التي من أسفل أي البحار والمحيطات. وقد حمل هذا الفصل بجانب تحققه الحرفي مفهومًا روحيًا يمس حياة الإنسان. فإن كان الإنسان الروحي يتقبل في البداية انطلاق الإشراقة الإلهية في أعماقه الداخلية، فإنه يليق به أن يحمل الجلد الذي يفصل بين مياه ومياه، فيتقبل مياه الروح القدس العلوية واهبة الحياة (يو 4: 14) ويسمو فوق المياه التي هي أسفل أي في الأعماق والتي يسكنها لويثان الحيّة القديمة والوحش البحري القتال للنفس البشرية (رؤ 12: 7؛ 20: 3) فمن ينعم بالانطلاق في الجلد يميز بين نعمة الروح وخداعات الشرير.
يقول العلامة أوريجينوس: [ إذ يرتبط المؤمن بالمياه العليا التي هي فوق في السموات يصير سماويًا ، ويطلب الأمور المرتفعة العلوية، فلا يكون له فكر أرضي بل كل ما هو سماوي؛ يطلب ما هو فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله (كو 3: 1)، فيستحق التمتع بمديح الله القائل: "رأي الله أنه حسن" ].
في ذات السياق - هاجم القديس أغسطينوس ما قاله العلامة أوريجينوس في كتابه "المبادئ" أن المياه التي فوق هي الأرواح الصالحة التي خلقها الله وبقيت هكذا في صلاحها بسبب التصاقها بالله، وأنها إذ إنعزلت عنه صارت منحطة فعاقبها الله بإنزالها إلي العالم وحملها أجسادًا. وكأن العالم الذي نعيشه هو عقوبة أوقعها الله علي ملائكة ساقطين لبسوا جسدًا كتأديب لهم.
هذه النظرية رفضها أيضًا القديس أبيفانيوس وعارضها آباء الكنيسة إذ تشوه نظريتنا للعالم ، وتدنس الجسد ، وتقلل من شأن الإنسان وتوحي بفكرة تناسخ الأرواح.
يدّعي كثيرون ان العِلم يدحض رواية الخلق المسجّلة في الكتاب المقدس. لكنّ التناقض الحقيقي هو بين العِلم ومعتقدات المسيحيين المُتشددين ، وليس الكتاب المقدس. فعدد من المنتمين الى هذه الفئة يدّعي خطأً ان الكتاب المقدس يعلّم ان الخليقة المادية بكاملها أتت الى الوجود في ستة أيام حرفية منذ حوالي عشرة آلاف سنة.
غير ان كلمة الله لا تؤيد إدعاء كهذا ، وإلا لكانت الإكتشافات العلمية العديدة التي جرى التوصّل اليها خلال المئة سنة الماضية تشكك في مصداقية الكتاب المقدس ، اضف الى ذلك ان الدراسة المتعمّقة لنص هذا الكتاب تُظهر بوضوح انه لا يتناقض مع الحقائق العلمية المثبتة.
لذلك يختلف شهود يهوه في الرأي مع المسيحيين المتشددين وعديدين من مؤيدي «نظرية الخلق» ، وسنناقش في ما يلي ما يعلّمه الكتاب المقدس حقا.
في هذا الصدد - تذكر رواية سفر التكوين أيضاً أنه فيما كان الغلاف الجوي يصفو شيئا فشيئا ، بدأت تظهر في «اليوم» الخامس مخلوقات طائرة ، من بينها الحشرات والمخلوقات ذات الأجنحة الغشائية.
تابع اليوم الثاني : ( 2 - خلق البحار )
وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء في مكان واحد، ولتظهر اليابسة. وكان كذلك. ودعا الله اليابسة أرضًا، ومجتمع المياه دعاه بحارًا" (تك10،9:1).
لقد كانت المياه كما سبق أن علمنا تغطي كل الأرض، مما جعل تسميتها (غمرًا) أي الأرض المغمورة بالمياه.
ولكن كيف تكون الحياة على الأرض مغمورة بالمياه؟! كيف يعيش الحيوان؟ وينمو النبات..؟! كيف تكونت الحياة والأرض التي نراها الآن مع وجود هذه المياه؟
لكي نفهم ما حدث، نحتاج إلى إلقاء الضوء على الأمثلة التالية:
1 - ماذا يحدث عندما تفقد الأرض الزراعية جزءًا كبيرًا من مياهها بالتبخير؟ أي ماذا يحدث للأرض الزراعية عندما تفقد جزءا كبيرا من حجمها؟ هل تنقص مساحة الفدان لنقصان حجم الأرض؟! بالطبع لا.
إن ما يحدث هو تشقق الأرض الزراعية، ليحل الهواء محل الماء. ولكن تبقى المساحة ثابتة رغم نقصانها.
2- ماذا يحدث لو تركنا بعض ثمار الفاكهة أو الخضراوات معرضة للهواء أو الشمس؟ ماذا لو تم وزن الثمار بعد عدة أيام بالميزان؟ إن ما يحدث هو أننا نجد أن وزنها قد نقص، وبالتالي نلاحظ أن حجمها قد نقص وصغر. ولكن مساحة سطحها لا تتغير. مما يجعل شكلها الخارجي يتغير نسبيًا للمحافظة على مساحة السطح، على الرغم من تغير الحجم وهذا الشكل الجديد، نقول عنه أن الثمار قد ذبلت، أي أصبح سطحها خشنًا متعرجًا.
3 - ماذا يحدث لو تركنا لوحًا خشبيًا حديث القطع من شجرة معرضًا لأشعة الشمس لفترة طويلة؟ إن ما يحدث هو أحد أمرين أو كلاهما: إما أن يشتقق اللوح (مثل الأرض الزراعية)، أو ينحني سطحه ويصبح مقعرًا تجاه الشمس.
4 - يظهر نفس الحال عندما يتبع شخصًا نظامًا غذائيًا قاسيًا، مما يتسبب في وجود بعض التجاعيد والهالات السوداء حول العين.. وما هذه الهالات إلا تجاعيد صغيرة جدًا في الجلد المحيط بالعين.. فتحدث التجاعيد بدون أن ينكمش حجم الجلد.
إن ما حدث للأرض إنما هو أنها انكمشت بشدة بالتبريد مع الوقت، مما قلل من حجمها، في حين أن مساحة سطحها لا تتغير. وقد أدى ذلك إلى ظهور التجاعيد ولكن على نطاق واسع. وهذه التجاعيد بالنسبة لأرض، هي مجموعة من الظواهر الطبيعية والجيولوجية. ومن أمثلتها:
1- الفوالق faults : ومثال ذلك ما يمثله البحر الأحمر حاليًا، فهو مجموعة من الفوالق المركبة.
2- الطيات folds : وهي عبارة عن تجاعيد وانحناءات في الطبقات الأرضية..
وقد أدى ظهور هذه الفوالق والطيات إلى ظهور مرتفعات تمثل اليابسة، ومناطق منخفضة اندفعت إليها المياه لتكوين البحار. وقد أدت هذه الطيات وتلك الفوالق ليس فقط إلى ظهور اليابسة إلى أعلى، بل كشفت أيضًا الطبقات الصخرية وما تحويه من معادن وحجارة ثمينة أمام نظر الإنسان ليبدأ في عملية استغلالها.
اليوم الثالث : ( 2 - خلق النباتات )
وقال الله لتنبت الأرض عشبًا، وبقلًا يبزر بزرًا، وشجرًا ذا ثمر يعمل ثمرًا كجنسه، وبزره فيه على الأرض. وكان كذلك" (تك11:1-13).
لقد خلق الله الأرض للإنسان، ولذا أخذ الله في إعداد هذه الأرض. وأثناء إعدادها مرت بعدة مراحل:
1- إنفصالها عن الجسم المشتعل لتبدأ في البرودة تدريجيًا.
2- ظهور اليابسة، وتجمع المياه إلى مكان واحد.
3- انقشاع الأبخرة، حتى يتسنى للضوء –دعامة الحياة- بالدخول إليها.
4- وبعد ذلك كان للنباتات أن تظهر.
ولكن، لماذا النباتات في هذه المرحلة؟ هل لأنها تمثل الغذاء الرئيسي للإنسان والحيوان؟ في الحقيقة الأمر يرجع لعدة أسباب جوهرية:
الطعام : فالنبات بالنسبة للإنسان يمثل الطعام الرئيسي، بل وبالنسبة للإنسان الأول فهو الطعام الوحيد، كما يتضح من الكتاب المقدس: "وقال الله أني أعطيكم كل بقل يبزر بزرا على وجه الأرض، وكل شجر فيه ثمر، شجر يبزر بزرًا لكم يكون طعامًا" (تك29:1). وأيضًا هو يمثل الطعام الأساسي للحيوان والطيور كما يعلن الكتاب المقدس: "ولكل حيوان الأرض، وكل طير السماء، ولكل دبابة على الأرض فيها نفس حية، أعطيت كل عشب أخضر طعامًا. وكان كذلك" (تك30:1).
تجديد الهواء : نحن نعلم أنه بعد استقرار الأرض ثبتت نسبة الأكسجين في الجو، ولكن ماذا يكون الوضع بعد خلق النباتات والحيوانات، التي تقوم عملية البناء والهدم فيها أساسًا على الأكسجين Oxygen؛ حيث يتحول إلى ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، وأحيانًا إلى أول أكسيد كربون؟ فكيف تستمر الحياة مع استنزاف الأكسجين من الجو؟!
كان لابد من معمل كبير لإنتاج الأكسوجين للمحافظة على نسبته في الجو وللحفاظ على استمرارية الحياة. ولكن الله لم يخلق معملًا واحدًا، بل ما لا يحصى من المعامل في كل نبات أخضر.. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). فخلق معملًا متكاملًا في كل خلية حية خضراء صغيرة مهما صغر حجمها. وهذا المعمل رغم صغره قادر على إنتاج الأكسوجين، وذلك عن طريق عملية التمثيل الكلوروفيللي بواسطة الضوء والمادة النباتية الخضراء (الكلوروفيل) Chlorophyll
ومن هنا نرى قوة الآية التي قيلت في المزمور: "المُنبِت عشبًا للبهائم، وخضرة لخدمة الإنسان" (مز14:104). فعبارة "خضره" هنا تعني عملية التمثيل الكلوروفيللي. ويتضح ذلك لسببين:
1- ذكرت عبارة خضرة وليس عشب أو نبات. إذا فهو يتحدث عن اللون الأخضر.
2- ذكر كلمة "خضرة" ولم يذكر عبارة "طعامًا" لأن الإنسان لم يكن مصرحًا له في البداية أن يأكل من عشب الأرض في الماضي. فقبل سقوط آدم كان يأكل "بقولًا وثمار الأرض" فقط ، ولكن ابتدأ يأكل العشب كإحدى العقوبات بعد الخطية.
اليوم الرابع : ( 2 - خلق الشمس والقمر )
وقال الله: لتكن أنوار في جَلَدْ السماء، لتفصل بين النهار والليل. وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين. فعمل الله النورين العظيمين؛ النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل" (تك14:1-16).
فبعد أن هيأ الله الأرض للحياة، وبعد أن أنبتت النباتات لاستمرارية حياة الكائنات الأخرى، وقبل أن يتدرج الله في عمل الخلق، وجد بحكمته الإلهية أن الأرض تحتاج لمزيد من الطاقة الضوئية والحرارية، بما يتناسب مع احتياجات الإنسان وباقي الكائنات الحيوانية. فعمل النورين العظيمين: الشمس و القمر.
اضغط هنا لمشاهدة لقطة فيلمية عن هذا الموضوع * ولكن، ما هو الفرق بين ضوء اليوم الأول وضوء اليوم الرابع؟! ولماذا كان الحديث عن الشمس والقمر دون باقي مكونات السماء من نجوم وكواكب أخرى؟ وكيف كان هناك ليل ونهار قبل ذلك؟!
فلنضع أمامنا ثلاثة مواضع حسب التدرج الزمني لذكرها:
1 - في البدء خلق الله السموات والأرض (تك1:1).
2 - وقال الله ليكن نور (تك3:1).
3 - فعمل الله النورين العظيمين16:1.
وبالمقارنة بين الثلاث عبارات نصل إلى إجابة السؤال الأول:
1- العبارة الأولى تقول: "خلق الله"، وعبارة خلق أي أوجد الشيء من لا شيء.. أوجد السموات من العدم، بكل ما تحتويه من مجرات ونجوم وكواكب وأجسام مضيئة ذاتيًا، وأجسام تعكس ضوء أجسام أخرى..
2- العبارة الثانية تقول: "ليكن نور"، ففي هذه المرحلة لم يغير الله شيئًا من طبيعة مصادر الضوء، وبصفة خاصة الشمس. ولكن ما تم تغييره كان يخص الأرض نفسها، حيث كانت مُحاطة بكميات كبيرة من الأبخرة (كما أوضحنا سابقًا بموقع الأنبا تكلا هيمانوت). وكل ما حدث أنه بسبب توالي برودة الأرض بالتدريج، تكاثفت الأبخرة المحيطة بها، وغمرت الأرض كمياه، وبالتالي تمكن الضوء – سواء من السديم الذي أُخِذَت منه الشمس أو من غيره من مصادر الضوء المختلفة- من الدخول إلى الأرض.
3- العبارة الثالثة يكلمنا فيها الوحي الإلهي على لسان موسى النبي قائلًا: "فعمل الله النورين العظيمين"، ونلاحظ أنه لم يقل "خلق". ومن هذا نرى أن ما حدث إنما هو تغيير نسبي في طبيعة مصدر الضوء (الشمس)، فعبارة "عمل" لا تعني الخلق من العدم، ولكنها تعني أنه عمل شيئًا من شيء آخر.
كمثال أن نقول أن النجار قد عمل هذا الكرسي، ولا نقول أن النجار قد خلق هذا الكرسي!
وهذا ما عمله الله في أليوم الرابع ، حيث وصلت الشمس إلى شكلها وقوتها وإمكانياتها الجديدة كما نراها الآن، والتي لم تكن متميزة بها قبل اليوم الرابع، ففي هذا اليوم وصلت إلى ذروة قوتها.. وهذا ما يؤكده العلماء في أن النجوم تمر بمراحل نمو، حتى تصل إلى الذروة. وبعدها تبدأ قوتها في النقصان التدريجي، حتى تصل إلى مرحلة النهاية، حيث الانفجار والفناء.
فالشمس لم تُخلَق في اليوم الرابع من العدم، وإنما تم تطور شكلها وحجمها وقوتها، بعد أن كانت سديمًا ضعيفًا.
وماذا عن القمر؟ فالقمر كذلك موجودًا من البدء في عبارة "خلق الله السموات والأرض" (تك1:1)، ولكنه كجسم معتم لا ينبعث منه ضوء.. لذا قيمته واستخدامه مرتبطًا بالشمس وعملها وقوتها..
مثال: عندما نضع مرآه في حجرة مظلمة ، ثم ننير ضوء خافت جدًا، ثم لو وضعناها أمام أشعة الشمس.. ففي الحالة الأولى لا نرى المرآة، وفي الثانية نراها ولكن كجسم مُعتم، وفي الأخيرة سنراها جسمًا منيرًا بسبب إنعكاس ضوء الشمس عليها.
وهذا ما حدث مع القمر ، فالمرحلة الأولى مع المرآة تمثل القمر في النصف الأول من اليوم الأول.
والمرحلة الثانية تمثل علاقة القمر بالأرض عندما كان مصدر الضوء ضعيفًا، وكان الضوء المنبعث من الشمس في حالة تكوينها ضعيف، فبالأولى كان ضوء القمر ضعيف جدًا ولا يكفي للانعكاس على الأرض ،
وهذا يمثل ضوء النصف الثاني من اليوم الأول. وأخيرًا، المرحلة الثالثة تمثل حالة القمر بعد اليوم الرابع، حيث صار السديم الضعيف شمسًا قوية، أرسلت ضوءها الشديد الذي وصل إلى القمر، وإنعكس عليه إلى الأرض، فظهر كجسم مضيء يعكس لما ضوء الشمس ليلاً.
وكما أوضحنا سابقًا، فقد كان الحديث في هذا قاصرًا على الشمس والقمر دون الكواكب الأخرى، بسبب أن هذا أكثر ما يهم الإنسان في كل هذا الكون.. فالشمس هي أقرب نجم للأرض، ومرتبط بها بقوة الجاذبية ، بل أكثر النجوم تأثيرًا على الأرض من جهة الحرارة والضوء، حتى أن بقاء واستقرار واستمرارية الأرض إنما هو مرتبط بالشمس. ونفس الحال مع القمر، فهو أقرب جسم سماوي لنا، ومن خلال ضوء الشمس المنعكس عليه ينير الليل في وسط الظلام، وله علاقة وثيقة معنا من خلال الجاذبية المتبادلة التي تكون المد والجزر على شواطئ البحار.
"وقال الله: لِتَفِض المياه زحّافات ذات نفس حية، وليطر فوق الأرض على وجه جلد السماء. فخلق الله التنانين العظام، وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة، التي فاضت بها المياه كأجناسها، وكل طير ذي جناح كجنسه. ورأى الله ذلك أنه حسن، وباركها الله قائلًا: أثمري، وأكثري، واملأي المياه في البحار، وليكثر الطير على الأرض. وكان مساء وكان صباح يومًا خامسًا" (تك20:1-27).
اليوم الخامس : ( خلق الكائنات الحية الأولية و الزواحف الضخمة )
بعد أن خلق الله النباتات التي يعتمد عليها الحيوان في غذائه، والتي تعمل أيضًا على تنقية الهواء بتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى الأكسجين، مما يعطي للإنسان والحيوان استمرارية الحياة دون توقف. عندئذٍ وفي تسلسل متفق مع العلم تمامًا، يذكر الكتاب المقدس أن الله خلق الزواحف، ومن بعدها الطيور. وسنجد أن عبارة "لتفض المياه زحافات" عبارة بسيطة ولكنها قوية ، حيث تتفق مع العلم في أن الكائنات الحيوانية في تدرج وجودها. وبعد أن وجدت في المياه كأسماك، عندئذ ظهرت على الأرض كحيوانات زاحفة بالقرب من المياه، حيث الحيوانات البرمائية والزواحف المختلفة.
أما عبارة "فخلق الله التنانين العظام" فلقد كانت هذه العبارة ولأجيال طويلة مصدر تشكيك في صحة الكتاب المقدس، وهذا التشكيك يرجع إلى عدم وجودها حيث أن الإنسان لم يجدها، ولم يعد يراها ، فصارت لغزًا كبيرًا بالنسبة له.
وظل الأمر كذلك حتى سنة 1677 عندما كُشِفَت قطعة عظام ضخمة عُرِفَت وقتها لأنها لأحد الديناصورات "الميجالوسورس " Megalosaurus، وهو من آكلة اللحوم. وبمرور الوقت تم اكتشاف بقايا كاملة لذلك الحيوان الضخم في سنة 1818 على يد بعض العمال بالقرب من وود سنوك – أكسن. وقد تم وضعه فيما بعد في متحف أكسفورد. وهو نوع من الأنواع ثنائية الأقدام، وقد تم وصف هذا النوع من الديناصورات Megalosaurus Buckland وصفًا علميًا دقيقًا سنة 1842. وقد أخذ اسم مكتشفه وليام باكلاند .
هذا - و لن نستطيع أن نترك جزء الديناصورات وانقراضها يعبر ببساطة.. فهناك حكمة لخلقها وفنائها.. ومن العجيب أن نلاحظ أن تلك الكائنات "باركها الله" لتثمر وتتوالد كما ذكر الكتاب..! فكيف يتم مباركتها، وانقراضها قبل مجيء الإنسان؟!.
اليوم السادس : ( خلق الحيوانات والإنسان )
وقال الله: لِتُخْرِج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها؛ بهائم، ودبابات، ووحش أرض كأجناسها" (تك31،24:1).
بعد أن تخلصت الأرض من أي ديناصورات ملأت حقبة الحياة الوسطى، عندئذ خلق الله الكائنات الأخرى التي يتعايش معها الإنسان، فخلق الله البهائم والدبابات والوحوش. والبهائم هي تلك الحيوانات المُستأنسة التي يربيها الإنسان، وينتفع بها سواء كطعام، أو من خلال خدماتها ، والوحوش هي تلك الحيوانات المفترسة وغير المستأنسة والتي تسكن الغابات والبراري.
أما الدبابات فهي الحيوانات الصغيرة التي تدب على الأرض (أي تسير بأقدامها) كالكلاب والقطط وغيرها، كبيرة كانت أم صغيرة.
وعندئذٍ إكتملت الأرض وإكتمل إعدادها لإستقبال رأس الخليقة الذي هو الإنسان.
1 - "قال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" ( تك26:1 ).
نلاحظ هنا أن كلمة "قال" بصيغة المفرد، وكلمة "نعمل" بصيغة الجمع.
بالمفرد لأنه إله واحد، وبالجمع لأنه ثلاثة أقانيم.
ولًا: لا يوجد في العبرية صيغة التعظيم على الإطلاق، ورغم هذا وجدت في النسخة العبرية بصيغة الجمع.
ثانيًا: في مرات عديدة ذُكِرَ عن الله بصيغة المفرد، وأمثلة ذلك: "إياك رأيت بارً لديّ"؛ "أنا ترسٌ لك"؛ "بذاتي أقسمت يقول الرب" ؛ "أنا الرب إلهك" (تك7؛ 15؛ 22؛ خر20).
ذُكر في عملية الخلق هذه العبارات الثلاثة في كل مرة: "فقال الله"؛ "فعمل الله"؛ "فرأى الله". وهي تعني "فقال الآب"؛ "فعمل الابن"؛ فرأى الروح القدس".
1- إكمال الأشياء في ثالث يوم.
2- في اليوم الأول : خُلِقَت الأرض ولكنها كانت خربة وخالية. وفي اليوم الثالث ظهر جمالها عندما انكشفت المياه عنها إلى مكان واحد.
في اليوم الثاني خلق الله الجَلَد.
وفي اليوم الرابع ظهر جماله وإكتمل بظهور الشمس والقمر.
هذا - وتؤكد الأبحاث العلمية الحديثة أن كل الكائنات الحية تتكاثر « بحسب اجناسها ».
إرسال تعليق