الخلاصة
لقد نتج عن فتح أورشليم على يد الرومان ، دمار مصالح اليهود وتدهور إقتصادهم ، إحتفظ الإمبراطور فسبسيان بالأرض كملك خاص له يوزعها على إحصائه .
ولقد وصل الشعب اليهودي بعد حروب دامت خمس سنوات إلى حالة من الفقر المدقع صاروا بلا حاكم منهم ، بلا وطن وبلا هيكل : " فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لِأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلَاةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاًبِالْإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ. فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلَاتَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلَا تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَاأُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا، لِأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. وَسَيُسْلِمُ الْأَخُ أَخَاهُإِلَى الْمَوْتِ، وَالْأَبُ وَلَدَهُ ، وَيَقُومُ الْأَوْلَادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ إسْمِي.
وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. فَمَتَى نَظَرْتُمْ " رِجْسَةَ الْخَرَابِ " ، الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ ، قَائِمَةً ، حَيْثُ لَا يَنْبَغِي - لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ - فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ ، وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ ، فَلَا يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ ، وَلَا يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئاً، وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلَا يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ ، وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. وَصَلُّوا لِكَيْ لَايَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللّهُ إِلَى الْآنَ ، وَلَنْ يَكُونَ ، وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الْأَيَّامَ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ ، وَلكِنْ لِأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ قَصَّرَ الْأَيَّامَ. حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ : هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا أَوْ هُوَذَا هُنَاكَ فَلَا تُصَدِّقُوا. لِأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُكَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ ، لِكَيْ يُضِلُّوا - لَوْ أَمْكَنَ - الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً. فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ (مرقس 13:9-23)" .
1- العلامة الأولى على خراب أورشليم هي [ إضطهاد وتبشير (آيات 9-13) ] . يقول المسيح لتلاميذه : " إنظروا إلى نفوسكم " ، فهو يفتح عيونهم على الآلامالتي ستأتي عليهم ، وعلى الأمجاد التي بعدها - أولها - إضطهادات من الخارج ، من مجالساليهود ومجامعه ، حيث يجلدونهم ويوقفونهم أمام ولاة وملوك ، من أجل شهادة المسيح (آية 9).
ويشجع المسيح تلاميذه قائلاً لهم : " حتى لا يقلقوا ويجهزوا الدفاع عن أنفسهم، لأن الروح سوف يتكلم فيهم ، ويعطيهم الرد الصحيح (آية 11)".
ثم هناك إضطهادات من الداخل - من الإخوة والآباء (آية 12) - ويقول إنجيل متى البشير : " حينئذٍ يعثر كثيرون ، ويسلمون بعضهم بعضاً ، ويبغضون بعضهم بعضاً (متى 24:10) " ، فإن بعض المسيحيين سوف يضعفون في الإيمان ، ويسلمون إخوتهم المسيحيين للإضطهاد والعذاب ، ثم يقول المسيح لتلاميذه : " وتكونون مبغَضين من الجميع من أجل إسمي (آية 13)" .
ولكن في وسط الاضطهاد هناك تشجيع ، هو أنه » ، ينبغي أن يُكرز أولاً بالإنجيل في جميع الأمم " (آية 10) فإن الاضطهاد سوف يوّصل رسالة الإنجيل إلى جميع الأمم، وذلك قبل خراب أورشليم ، ويقول بولس الرسول في كولوسي 1:6 » الإنجيل الذي قد حضر إليكم كما في كل العالم أيضاً - ويقول في نفس الأصحاح في آية : 23 - الإنجيل الذي سمعتموه ، المَكروز به في كل الخليقة التي تحت السماء ".
إذاً فليتشجع التلاميذ ، لأن اضطهادهم يوصِّل رسالة المسيح للجميع.
وهنا تشجيع آخر ، هو " أن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص (آية 13) " ، فالذي يصبر وسط هذه جميعها يخلص.
وكانت العلامة الثانية الصحيحة على خراب أورشليم هي " رِجٌسَة الخراب " (آيات 14 - 23) أي الرجسة التي هي سبب الخراب ، وقد تكلم عنها دانيال النبي في سفره (دانيال 9:27 ، 11:31 ، 12:11).
وقد قصد دانيال في نبوته أنتيوخس أبيفانيس الذي أبطل الذبيحة في الهيكل وأقام بدلها عبادة الأصنام ، وذلك قبل ولادة المسيح بوقت طويل ، والمسيح يقولإن شيئاً كهذا سيحدث مرة أخرى.
وقد قصد المسيح من القول : " رِجٌسَِة الخراب " - أن عساكر الجيش الروماني سوف يدخلون أورشليم ، وهم يحملون تماثيل النسور ، وتماثيل ملوكهم ، وهم يعبدونها ، وهكذا فإن تلك التماثيل والأصنام سوف تكون حيث لا ينبغي (آية 14).
ويقول لوقا البشير : " أورشليم محاطة بجيوش (لوقا 21:20) " ، فتكون رجسة الخراب هي جيش الرومان وتماثيلهم ، حيث لا ينبغي أن تكون - أي في الهيكل المقدس ، والمدينة المقدسة.
هذه هي العلامة الصحيحة : أورشليم وحولها جيش الرومان الذي يريد أن يُخربها، والمسيح يحذر تلاميذه من تلك الأيام، فالذي في اليهودي يجب أن يهرب بعيداًإلى الجبال، والذي على السطح يجب أن يهرب ولا ينزل إلى البيت ليأخذ حاجاته، والذي في الحقل يجب أن يهرب ولا يرجع إلى البيت ليأخذ ثوبه - أما الحبالى والمرضعات - فسوف تكون ظروفهنَّ قاسية جداً ، وبالغة الصعوبة ، ومأساوية الصورة ، لأنهن يحملن حمل أنفسهن وحمل أطفالهن.
ويطلب المسيح من تلاميذه أن يصلُّوا حتى لا يكون ذلك كله في شتاء،ذلك لأن الضيق الذي سيأتي على أورشليم سوف يكون أعظم ضيق رأته المدينة.
وفي وسط هذه الصورة الحزينة يقدم السيد المسيح تشجيعاً (آية 20) هو أن تلك الأيام ستكون قصيرة ، وقد جعلها اللّه قصيرة من أجل المختارين ، على أن الضيق العظيم سيجعل الناس مستعدين أن يتعلَّقوا بأي قشة من أمل ، فعندما يأتي الأنبياء الكذبة والمسحاء الكذبة ويقولون إن عندهم الخلاص ، يثق الناس بهم، فيُضِلُّون كثيرين، ولوأمكن المختارون أيضاً.
وقد حدث كل الكلام الذي تنبأ المسيح به في خراب أورشليم.
فقد حاصر الإمبراطور " جالوس " أورشليم سنة 66 بعد ولادة المسيح ، ثم حاصرها فسبسيانوس الروماني سنة 68 م ، وعند هذا الحصار الثاني ، هرب المسيحيون الذين عرفوا كلام المسيح ، ولم يهلك منهم أحد ، لقد فهم القارئ المسيحي نبوَّة المسيح ، وهرب ، فلم يصبه سوء ، كما قال مرقس الرسول ليفهم القارئ (آية 14).
ثم حاصر تيطس الروماني أورشليم سنة 70 م ، حتى سقطت في يده ، وقتل من اليهود مليون ونصف مليون يهودي تقريباً ، وصلب منهم كثيرين حتى لم يكن مكان لصلبان أكثر ، وهكذا تم كلام السيد المسيح حينما قال : " ضيق لم يكن مثله منذ إبتداء الخليقة (آية 19)".
وقد هُدم الهيكل وأشعل أحد العساكر فيه النار ، فلم يَبْقَ فيه حجر على حجر لم يُنقض.
وقد كانت مدة حصار أورشليم قصيرة بالنسبة للوقت الذي كانوا يحاصرون فيه المُدُن في ذلك الزمان ، وقصيرة بالنسبة لمدينة أورشليم ومناعتهاالطبيعية، لأنها كانت مبنية على جبل.
وقال تيطس الروماني الذي فتحها : " اللّه أعطانا النجاح في حصار هذه المدينة ورفض أن يأخذ مكافأة على نجاحه في حصار أورشليم وفتحها " .
وقد أصبح " تيطس " بعد يُعرف بلقب "حبيب الجنس البشري . "
وقد كان ذلك النجاح والإنتصار العظيم للقائد الروماني تيطس ، هو بمثابة عطية خالصة من الله ، بسبب خطية اليهود ، وفي ختام كلام المسيح عن خراب أورشليم قال : " إنظروا أنتم ، ها أنا قد سبقت وأخبرتكم بكل شيء " (آية 23).
لقد أخبر السيد المسيح تلاميذه بالحوادث المقبلة ، وقد فهموا ، ونجوا من الضيق العظيم الذي جاء على أورشليم.
إرسال تعليق